الأحد , مايو 28 2023

الخرافة التي تقول: التداول في اسواق المال محفوف بالمخاطر

من اكثر الخرافات المتداولة في الاوساط المالية هي أن التداول من اخطر الطرق لتنمية رأس المال.. وبأن التداول محفوف بالمخاطر.. دعني استوقفك لحظة وأسألك السؤال التالي: هل يوجد أي استثمار في العالم لا يحتوي على مخاطر ، هل افتتاح مشاريع خاصة بالاطعمة وملابس التجزئة والبناء والمقاولات لا يحتوي على مخاطر.. أي عمل حر فيه مخاطرة لخسارة رأس المال.. أي مخاطرة في العالم تقوم بها يأتي بعدها النمو والإنطلاق.. لا يمكنك أن تحلم بزيادة دخلك الشهري او السنوي بدون أن يكون هناك مخاطرة.. – إلا بالطبع إذا كنت تعتبر زيادة اثنين أو ثلاثة بالمائة على راتبك الشهري كل سنة او سنتين يعتبر زيادة مجزية فهذا أمر آخر.. ولكن كل هذا يعيدنا إلى سؤال مهم جداً ، لماذا التداول بالأوراق المالية يعتبر اكثر الاستثمارات التي ترافقها تحذيرات للمخاطرة وخسارة رأس المال؟

السبب وراء ذلك يعتبر منطقي جداً خصوصاً مع النسبة الهائلة التي تشير إلى عدد المتداولين الذين خسروا كامل ثروتهم في الاسواق المالية.. وربما لهذا السبب نجد الهيئات الخاصة بتراخيص التداول والاستثمار تؤكد على مؤسساتها وشركائها نشر تحذير المخاطر من خسارة رأس المال.. هناك سبب رئيسي – ومهم جداً – يجب على كل متداول ان يعرفه ويعيه بنفسه ويؤمن به ايضاً ، السبب الرئيسي وراء خسارة المتداولين والإيمان الكامل بأن الأسواق المالية خطرة جداً هو بسبب أن هؤلاء المتداولين لا يعلمون مالذي يفعلونه بالضبط ، وهذا بالطبع الجزء الذي لا يرغب الكثير للأسف بسماعه.

لماذا قد لا تعجب هذه الإجابة الكثيرين.. لأننا نرغب في الحصول على تخفيف لمشاعر الألم والحزن التي تعتصرنا عندما نخسر جزء او كل ما نملك في اسواق المال.. لومنا للآخرين بأنهم سبب خسارتنا يجعلنا نشعر بشكل افضل ولو لفترة مؤقتة ، لذلك تجد الكثير يلوم شركة الوساطة التي يتعامل معها او البرنامج الذي يستخدمه والذي لا يقوم بتنفيذ الصفقات بأسعار مناسبة.. نلوم المضاربين الآخرين والهوامير على تلاعبهم بالسوق.. نلوم البنوك المركزية والسياسات النقدية التي تفاجأنا احياناً بتغييرات جذرية تقوم بقلب الاسعار على الشارت رأساً على عقب ، ولكن حتى مع كل ذلك لا يجب لوم الآخر على ما يفعل.. أو ان نجعل هذه الأشياء سبباً للأعتقاد بأن احد اكثر الاسواق مخاطرة هي الأوراق المالية.. من وجهة نظر متواضعة لا اعتقد بأن هذا الأمر صحيح ومنطقي ، ولكن ربما يكون لدينا سبب قوي يجعل الهيئات المالية حول العالم مستمرة في حملتها وإعلاناتها حول المخاطرة في تداول الأوراق المالية ، وإليك احد اهم هذه الاسباب:

1- سهولة (وسرعة) اتخاذ القرار:

دعني في هذا المثال البسيط اوضح لك خطورة سهولة اتخاذ القرار في اسواق الاوراق المالية.. لنفترض ان رجل اعمال قرر افتتاح شركة لاستيراد مواد تصنيعية معينة من إحدى الدول الأوروبية.. من اللحظة التي سيعتقد بها بأن هذا المشروع الجديد سيدر له ارباحاً مجزية وسيؤدي به خدمة لمجتمعه الذي يعيش به بجلب صناعات اجنبية تحتاج اليها دولته.. الى اللحظة التي سيفتتح بها هذا المشروع فعلياً.. قد تستغرق معه هذه العملية سنة او اكثر بعد استخراج التصاريح اللازمة من الدولة الموردة والدولة المستوردة.. الى اقامة المخازن والمستودعات التي ستقوم بتخزين هذه البضائع.. الى خط الانتاج والبرامج المحاسبية والموارد البشرية اللازمة لإدارة وتشغيل المشروع.. الى الكثير من الامور الإدارية الأخرى التي ستستغرق منه وقت وجهد ثمين حتى يخرج هذا المشروع الى النور ، كل هذا في سبيل تحقيق هدف نهائي وهو تنمية راس المال.. بالمقابل نجد سهولة تنفيذ نفس الهدف للمضاربين في اسواق المال بضغطة زر واحدة لتنفيذ صفقة شرائية قد يحقق منها ايضاً عائد مادي مجزي.. ولكن لأن كل هذه الأمور تخضع لقانون موحد خاص بالنسبة والتناسب.. لذلك من الطبيعي ان يكون هناك نتائج سلبية وكارثية ايضاً لهذه السهولة الممنوحة للمضارب مقارنة بالمستثمرين في الأسواق الأخرى.

سهولة اتخاذ القرار بتحقيق الارباح تعتبر من احد اهم الاسباب التي تروج لفكرة المخاطر المحفوفة بالمضاربة بالأوراق المالية.. لأن هذه السرعة تأتي غالباً وبنسبة لا تقل عن %95 من قرارات مفاجئة غير مدروسة وغير مدعومة باستيراتيجية واضحة لأسباب الدخول او للمناطق المستهدفة من هذه الصفقات.. ناهيك عن الحديث عن إغفال أمر هام جداً تحدثنا عنه بإسهاب ايضاً في مقالات سابقة وهو نقطة الخروج بخسارة من هذه الصفقات والتي نعرفها بإسم وقف الخسارة.

لو طلبت منك ان تقوم بعمل مراقبة على صفقاتك لمدة اسبوع واحد فقط بأن تقوم بشكل واعي بملاحظة صفقاتك التي تقوم بتنفيذها في السوق وكم تستغرق منك – من الوقت – لتحدد الدخول والخروج في الصفقة.. هذه الاستعجال ومحاولة تحقيق الارباح السريعة سواءاً عن طريق الصفقات متوسطة المدى او السكالبنج تجعل المتداول يقوم بتنفيذ صفقاته بسرعة هائلة تمنعه حتى من تأكيد سبب دخوله واهدافه من هذه الصفقات ، كل هذا وهو لا يدرك خطورة هذه الخطوات التي يقوم بها ، ولو انه قام فقط بتحديد خمس دقائق قصيرة لتأكيد او نفي سبب دخوله في الصفقة لربما اصبح قراره مختلف تماماً.. لذلك اعتقد بأن هذا الأمر هو أحد اهم اسباب المخاطر الموجودة في السوق.

2- الاستخدامات الخاطئة للرافعة المالية:

للأمانة نتحدث هنا.. لولا وجود الرافعة المالية Leverage لما كان لهذه الاسواق المالية هذه الجاذبية الرائعة التي نراها الآن.. مالفائدة من المخاطرة بمبلغ 100,000 دولار على سبيل المثال لتحقيق ربح ضئيل 1,000 دولار ( واحد بالمائة ) بينما يمكنك تحقيق ربح 1,000 دولار بإستثمار 1,000 دولار فقط ( مائة بالمائة ).. ولكن هذا البريق والجاذبية التي تمتلكها هذه الروافع المالية لها ايضاً سلبياتها المتعددة.. بإمكانك فقط ان تعلم انه يمكنك خسارة رأس مالك بالكامل في غضون دقائق قليلة في اوقات التذبذب العالية نتيجة للإستخدام الخاطئ لهذه الروافع المالية.. وبالتأكيد بسبب عدم استخدام اوامر خاصة بوقف الخسارة والإدارة المالية وحجم الصفقات التي تقيك من هذه التذبذات الحادة للأسعار.

الرافعة المالية بإمكانها ان تكون نعمة كبيرة للمتداولين الذين يحسنون استخدام رؤوس اموالهم بشكل رياضي صحيح وبمخاطرة محسوبة.. وبإمكانها ايضاً ان تكون نقمة سريعة التأثير على حرق حسابات العملاء عندما ينحسر تفكير المتداول فقط في الارباح التي سيحققها لو تحرك السعر لصالحه.

3- عدم وجود استيراتيجية واضحة لدى المتداول:

لو سألك احدهم يوماً عن رأيك في نيته لإفتتاح مطعم جديد في مدينة الرياض فماذا سيكون ردك الآلي عليه.. بدايةً ستقوم بسؤاله عن نوع الوجبات التي سيتخصص بتقديمها في المطعم الذي يرغب بإفتتاحه.. وعن الموقع الذي اختاره لإفتتاح المطعم.. وعن خبرته واستيراتيجيته التي سيتبناها لإدارة هذا المطعم.. وكثير من الأسئلة الأخرى التي ترافق هذا النوع من المحادثات.. لنفترض بأن السائل اجاب بأنه لا يملك بعد قائمة طعام معينة يرغب بتقديمها.. ولم يقم باختيار موقع مناسب بعد.. ولم يقم بتجهيز ميزانيته التي سيحتاج اليها لإفتتاح وإدارة هذا المطعم حتى يبدأ بتحقيق عائد مادي ، وبعد فترة وجيزة سمعت بأن هذا الشخص قام فعلاً بإفتتاح مطعم جديد.. اراهن بأنك ستقوم على الفور بالتنبؤ بخسارته لرأس ماله وبأنه سيقوم بإغلاق مطعمه في فترة لا تتجاوز السنة من تاريخه ، أليس كذلك؟

مالذي دفعك لهذا التنبؤ على الفور.. أليس بسبب عدم امتلاك صاحبك لاستيراتيجية وخطة عمل لمشروعه الجديد.. إذا ماذا عن النسبة الاعظم من المضاربين الذي يعتقدون أن كل ما يحتاجون اليه هو فقط فتح حساب وإيداع مبلغ ومن ثم المضاربة في السوق! هل تعتقد بأن أي متداول يعمل بنفس هذا الإسلوب قادر على النجاح في هذا السوق الذي يعتبر اصعب من بقية الاستثمارات الأخرى؟ الإجابة بكل تأكيد هي لا..

4- عدم التخصص في فهم الأوراق المالية وطريقة عملها:

من اكثر الاسواق في العالم جذباً للمضاربة والاستثمار هو المضاربة بالأسهم والعملات والسلع وغيرها بسبب سهولة دخول هذا العالم.. كل ما تحتاج اليه هو فتح حساب فقط ومن ثم استخدام احد الازرار الموجودة على منصة التداول ( شراء/ بيع ) لتبدأ بتحقيق احلامك بعيداً عن الوظيفة والمشاريع الأخرى.. الخصائص التي تنفرد بها الاسواق المالية بإمكانية تحقيق ربح بنسبة %50 في كل مرة تقوم فيها بفتح صفقة جديدة حتى وإن كنت لا تعلم مالذي تفعله بالضبط يجعل هذا الأمر مثيراً للمتداولين.. البعض يؤمن بأن المضاربة في الاسواق المالية صعب للغاية ومع ذلك لا يكلف عناء نفسه فهم ما يحدث بالضبط ، ويعتقد بأن دورة تدريبية لمدة خمسة ايام كافيه لفهم خبايا واسرار هذا السوق.. ولعل تفاعل الكثير من المستثمرين والمضاربين بدون محاولة تعلم الاستثمار والمضاربة المحسوبة المخاطر زادت من حدة الهيئات المالية للتحذير بخطورة التداول في هذه الأسواق.

هل لاحظت عزيزي القارئ انني لم اقم بضم اسباب اخرى مثل تلاعب بعض شركات الوساطة بحسابات العملاء على أنها سبب من اسباب تحذيرات الهيئات المالية لخطورة التداول في اسواق المال.. هل لاحظت انني لم اقم بضم اسباب اخرى مثل تذبذبات الاسعار العنيفة التي قد تسبب الخسائر الفادحة للمضاربين.. انا اعلم مثلك بأن هذه الأمور تعتبر ايضاً بعض الاسباب لإعتبار الأسواق المالية مخاطرة استثمارية لرأس المال.. ولكنني دائماً احب ان اتحدث عن الأمور التي تخصنا نحن وليست التي تخص غيرنا.. الأسباب الثلاث أعلاه أمور في يدك انت وقادر على تحسينها واستخدامها بشكل صحيح وتقع تحت مسؤوليتك ايضاً.. بينما الأمور الأخرى تعتبر خارجة عن إرادتك وليس لك ذنب مباشر بها ، لذا من الافضل عدم اضاعة وقتك بالحديث عن الأمور التي ليست تحت سيطرتك والبدء بتحسين اخطاؤك التي تستطيع انت فقط تلافيها والاستفادة من تجنبها وتفاديها.. وإلا فإنك ستبقى مع الأسف – وللأبد – أسيراً لإلقاء اللوم والأعذار على الآخرين بدلاً من تحمل المسؤولية بنفسك وإيمانك بأنك قادر على تحقيق اهدافك بتعبك وجهدك انت فقط بعد توفيق الله سبحانه وتعالى لك. ومن وجهة نظر بسيطة اعتقد بأن التداول في الأوراق المالية ( اسهم وسلع ومعادن وعملات ) من اكثر الأدوات التي يستطيع في المضارب والمستثمر التحكم بمقدار مخاطرته فيها.

وفي الختام.. انت وحدك من يحدد إن كانت الأسواق المالية استثمارات عالية المخاطرة او انها ممتازة جداً لتنمية رأس المال بشكل مستمر.

5 4 votes
Article Rating

عن فيصل السوادي

فيصل السوادي ، محلل فني معتمد CFTe وعضو بالجمعية العالمية للتحليل الفني IFTA Organization مدرب ومحاضر لاستيراتيجيات السلوك السعري و أقوم بتقديم العديد من الدورات التدريبية في التحليل الفني والإدارة المالية والحالة الذهنية والنفسية الصحيحة للتداول في أسواق المال.. للوصول الى كل نشاطات المدرب التدريبية قم بزيارة الرابط https://bettertrend.net/trainers/details/11

شاهد أيضاً

على من تقع المسؤولية عند خسارة مضارب أو تعلقه بصفقة جديدة في السوق؟

  في الفيديو الاخير تحدثت عن المسؤولية وقت التداول وكيف أن الإشارة باليد إلى الجميع …

Subscribe
نبّهني عن
guest

4 تعليقات
الأكثر تصويتاً
الأحدث الأقدم
Inline Feedbacks
View all comments
محمد رمزي الجراد
محمد رمزي الجراد
5 سنوات

ماشاء الله وأشكرك على سيل الأفكار المفيدة، وأسباب النجاح المطلوب منا تقديمها هي العلم وجودة أداء العمل بشغف فلابد دون الشهد من أبر النحل بعدها تأتي ثمار المكافأة بتوفيق الله.

khaled
khaled
5 سنوات

شكرا استاذ فيصل انت استاذنا واخونا الكبير وتعلمنا منك الإحترافية والانضباط في السوق

من القلب شكرا

Oubay
Oubay
5 سنوات

استاذ فيصل من افضل محللي و مضاربي العالم العربي

ضاري الشمري
ضاري الشمري
5 سنوات

الخطر موجود في كل تجارة إلا التجارة مع الله سبحانه.

قم بالإطلاع على نشرة الاسواق اليومية الجديدةعلى هذا الرابط
4
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x