مع إنتشار وسائل التواصل الإجتماعي وإمكانية مشاركة صفقاتنا واستيراتيجياتنا مع الآخرين اصبحت الفائدة المتبادلة كبيرة جداً بين اوساط المتداولين ليتشاركوا خبراتهم واستيراتيجياتهم واسلوبهم في تفعيل وإدارة صفقاتهم ايضاً.. واصبح من السهولة بمكان معرفة كيف يفكر بقية المتداولين وماهي الاشارات التي يعتمدونها لإعتماد صفقة ما والمشاركة فيها ، وربما أدى ذلك ايضاً الى تحسين طريقة عملك بشكل غير مباشر بعد ان اصبحت تحاول تنقيح واختبار استيراتيجيتك قبل عرضها على الآخرين.. ولكن ، وكما يشاع دائماً بأن لكل شئ فوائد ومساوئ قد تكون مكافئة لها في المقدار.. هذه المشاركات الاجتماعية للاستيراتيجيات والصفقات لها مساوئ واضحة على نفسية المتداولين.. ومن إحدى هذه المساوئ التي يعتمدها البعض – بشكل غير واعي – هي مقارنة نفسه مع بقية المتداولين الآخرين.
السؤال هو: لماذا نقوم دائماً بمقارنة أنفسنا مع الآخرين خصوصاً الذين نعتقد بأنهم ناجحين في مجالاتهم أياً كانت؟ قد يكون السبب ما يطلق عليه خبراء علم النفس بمفهوم association ، إحدى الترجمات المستخدمة بشكل شائع جداً لهذا المفهوم هو رابط ذهني وعقلي بين الأفكار أو الأشياء ، معنى ذلك أنك عندما ترى شخص يشغل منصب رئيس تنفيذي أو رجل اعمال نافذ ويقود سيارة فارهة وله مركز اجتماعي جيد.. ستقوم على الفور – وبشكل غير واعي ايضاً – بربط ذلك بشكل غير منطقي بأن هذا الشخص ليس لديه أية مشاكل في حياته.. وعندها ستقوم بعمل مقارنة غير منطقية ايضاً بأنك لديك مشاكل كثيرة في حياتك وتقود سيارة مؤجرة من بنك وتسكن في منزل بالإيجار وراتبك لا يكفي لسد الحاجات وووو.. ولكنك قمت بإغفال أمر مهم جداً وهو أن هذا الشخص – الذي تعتقد بأنه ناجح جداً – ليس له علاقة من قريب او من بعيد بمستواك الاجتماعي ورضاك عن نفسك.. ومقارناتك الكثيرة التي قمت بها غير منطقية ولا تعتمد على تسلسل علمي لمعرفة سبب وضعك الاجتماعي هذا..
الأمر الآخر الهام ايضاً بأنك – وفي احيان كثيرة عند التداول – تقوم بإستخدام مفهوم association بشكل سلبي جداً وغير منطقي ، لنفترض بأنك قمت بشراء سهم عند سعر 20 ريالاً وكان هدفك عند سعر 23 ريال بناءاً على تحليلك الفني للسهم ، وقمت بإعتماد مستوى 19 ريال على أنه وقف خسارتك.. ولكنك بعد تفعيل الصفقة شاهدت السعر يسير عكس المتوقع ويهبط الى 19.50 ريال ، بسبب شعورك بالخوف والفزع قمت بإغلاق الصفقة بخسارة نصف ريال بدلاً من ريال واحد.. بعد عدة ساعات عدت لتشاهد الشارت وتفاجأت بأن مستوى 19.50 ريال (الذي قمت عنده بإغلاق صفقتك خوفاً من الخسارة الاكبر) كان أدنى مستوى وصل له السعر وعاد بعدها ليصل قريب من المستوى المستهدف الذي حددته سابقاً.. بالرغم من أن هذا الموقف متعب جداً نفسياً لأي متداول ، ولكنك وبسبب الربط الذهني والعقلي للأفكار او الأشياء الغير مترابطة اصلاً ستقوم على الفور بلوم نفسك على اقفال الصفقة.. وستقوم بإعتبار نفسك شخص فاشل جداً في التداول (بالرغم من أن هذا الخطأ كان في صفقة واحدة فقط) ثم سيزداد ذلك بعد استخدامك لأدوات ربط خارج السوق بأنك لست فاشلاً فقط في تداولاتك ولكنك شخص فاشل ايضاً في زواجك وتربية ابنائك ووظيفتك والترقية التي لم تحصل عليها لأنك لا تستحقها ومركزك الاجتماعي ووو ، لن يترك عقلك أي شئ إلا وسيقوم بإعادته للحياة ليزيد من حسرتك وليقوم بإقناعك بإنك شخص فاشل ولا تنفع لأداء أي شئ.
وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى مقارناتنا مع الآخرين.. إسأل نفسك بشكل واعي هذه المرة كيف شعرت عندما اخبرك احدهم بأنه نجح نجاحاً هائلاً في صفقة اليورو دولار لهذا اليوم بينما انت عانيت من خسارة فادحة لرأس مالك في صفقة لليورو نيوزلندي.. كيف شعرت في تلك اللحظة عندما اعتقدت بشكل مباشر بأن هذا المتداول الآخر ناجح جداً في مجاله وفي صفقاته.. وعندما تقوم بعمل مقارنة بينك وبين شخص آخر تعتقد بأنه ناجح بشكل كبير فسيقوم عقلك بشكل آلي بإظهار النقيض لك على أنك انت شخص فاشل ( وبشكل كبير ايضاً ).
“عندما تقوم بمقارنة نفسك مع شخص آخر فلن تشعر إلا بالحزن والتعاسة لأنه مقابل كل شخص في هذا العالم سيكون هناك شخص افضل منك وشخص أسوأ منك”ماكس ايهرمان
هل يجب علي أن أتوقف عن المقارنات بالكامل؟
الإجابة على ذلك هي نعم ولا.. يجب عليك من اليوم أن لا تقوم بمقارنة نفسك مع أي متداول آخر لأنكم لا تملكون نفس التفكير والشعور والاستيراتيجيات والخبرة والمعرفة وغيرها.. ولأن مقارنتك مع الآخرين ستكون سلبية بشكل كبير ايضاً عليك ، هل تعلم ماهو الأمر المضحك فعلاً في هذا الشأن.. المضحك في الأمر أنك قد تقوم بمقارنة نفسك مع شخص آخر على أنه ناجح وانت فاشل وفي نفس الوقت يكون هذا المتداول الآخر يفكر بنفس الطريقة على أنك انت شخص ناجح وهو فاشل جداً.. ولعلك واجهت هذا الأمر سابقاً مع إحدى اصدقائك او افراد عائلتك.
من هو الشخص الذي يجب أن أقارن نفسي به بإستمرار؟
هذه المقارنة الإيجابية يجب ان تقوم بها من وقت لآخر.. وهذا الشخص الذي انصحك بشدة ان تقارن نفسك به هو انت.. نعم انت ، قم بمقارنة الخبرات والمهارات التي تمتلكها الآن مع الخبرات والمهارات التي كنت تمتلكها عندما بدأت التداول.. هل تتذكر كيف كنت تعاني لمعرفة رسم ترند بطريقة صحيحة ، أو كيف كنت تجد صعوبة في معرفة افضل اماكن العرض والطلب والدعم والمقاومة.. هل تذكر كيف كنت تعاني من عدم وجود استيراتيجية واضحة لك للتداول.. أو كيف كنت تعاني من فهم المؤشرات والمتوسطات الفنية وغيرها ، هذه المقارنات هي التي تفيدك إن كنت ترغب بإستخدام المقارنات بشكل ايجابي.. ما زلت اتذكر بين فترة وأخرى كيف كنت اشعر بالخوف والهلع عندما أقوم بتفعيل صفقة في السوق.. وكيف كنت اشعر بأني ملكت العالم بعد ربح صفقة واحدة ( حتى لو كانت بعد عشر خسائر متتالية 🙂 أو كيف كنت اقوم بقراءة الشارت بشكل معاكس لما افعله الآن.. مهما اعتقدت عن نفسك بأنك شخص فاشل ولا تنفع للتداول فأحب أن أخبرك وبكل صدق بأن هذه ليست الحقيقة ، انت تتعلم وتتطور بشكل غير واعي وتقوم بتنمية نفسك وشخصيتك ويوماً ما ستصل إن شاء الله إلى تحقيق اهدافك ومآرابك.. ولكن لا أجد أي سبب منطقي أن تقوم بجعل هذه الرحلة المثيرة للتعلم والتطور والاكتساح في هذا السوق المجنون حزينة وكئيبة بمقارنات لا طائل ولا جدوى منها مع المتداولين الآخرين.
رائع كالعاده
شكرا لك على مقالاتك الرائعة ونسأل الله أن ينفعنا بها ويزيد من عطاءك ماينير هذا النفق المظلم، وذكرتني بالآية الكريمة “وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ” (131) سورة طه
بارك الله فيك. فعلا احيانا كثيرة مقارنة نفسنا بالاخرين أحيانا كثيرة تزيد مزيد من البؤس واليأس فينا مما يؤدي التفكير دايماً بأننا مهما حاولنا سنظل فاشلين وهذا أحد الأسباب لعدم تطوير أنفسنا واكتشاف قدراتنا بسبب هذا التفكير المسيطر علينا.
شكرا على المقال