أعتقد بإن الكثيرين ممن يقرؤون هذا المقال الآن قد قاموا بالسابق بالإلتحاق بدورة تدريبية تعني بمفهوم التحليل الفني , أو على الأقل قاموا بقراءة كتاب واحد يشرح مفهوم التحليل الفني ، ومع ذلك يتضح من خلال الحديث معهم بأنهم لا يطبقون تماماً المفاهيم الأساسية التي يقوم عليها هذا النوع من التحليل ، أو انهم لا يستوعبونها كما يجب مما يؤثر كثيراً على قراراتهم الإستثمارية فيما بعد.
لذلك ، ومن خلال هذا المقال حاول ان تقوم من خلال قرائتك الإجابة على الأسئلة التالية:
هل أنت تقوم فعلياً بتطبيق المبادئ والأسس التي يقوم عليها التحليل الفني؟
من خلال قرائتك ومحاولتك الإجابة على هذه التساؤلات ستتمكن بإذن الله من معرفة المعوقات التي كانت تقف في طريقك في كل مرة كنت تحاول فيها فتح صفقة جديدة في السوق ، أو محاولاتك للإستفسار من اكبر عدد من اصدقائك قبل فتح صفقة ما ، أو عن السبب الرئيسي في عدم إمتلاكك لإستيراتيجية واضحة في السوق حتى الآن.
إذن وقبل أن نخوض في المفاهيم الرئيسية لهذا النوع من التحليل ، دعنا نتعرف أولاً على الفلسفة الخاصة بهذا النوع من التحليل إن الفلسفة التي يقوم على أساسها التحليل الفني هي بكل بساطة دراسة حركة السوق السابقة عن طريق استخدام الرسوم البيانية لمحاولة التنبؤ بحركة السوق المستقبلية عن طريق مراقبة السعر وحجم التداول.
الأساس المنطقي الذي يقوم عليه التحليل الفني مبني على ثلاثة أسس كالتالي:
- حركة السعر تحسم كل شئ.
- الأسعار تسير في إتجاهات.
- التاريخ يعيد نفسه.
السعر يحسم كل شئ:
هذا المبدأ يعتبر فعلياً حجر الأساس لمفهوم التحليل الفني ككل ، وهو بكل تأكيد من اكثر العقبات التي – للأسف – لا يستوعبها المحلل الفني بشكل كامل مما يؤثر سلباً على تردده المستمر عند كل مرة يحاول فيها فتح صفقة جديدة في السوق ، إذا لم يعترف المحلل الفني أولاً بهذا المبدأ فلا شئ آخر في تعريف التحليل الفني يحمل أي فائدة تذكر ، لنتعرف أولاً على معنى هذا المبدأ الأساسي ثم نتعرف على العواقب السلبية لعدم تطبيق هذا المبدأ عند التداول.
السعر يتأثر دائماً بالأخبار الأساسية ، الكوارث الطبيعية ، القرارات السياسية والنقدية والمالية ، التوجهات النفسية للمتداولين في السوق ، الخ. لذلك يقوم هذا المبدأ بترسيخ فكرة أن جميع هذه العوامل (المعروفة لنا وغير المعروفة) وجميع هذه التوجهات النفسية سواءاً كانت (عقلانية أو غير منطقية) سيقوم السعر الحالي بإستيعاب هذه العوامل الكاملة ، وأن السعر الحالي هو نتيجة لكل هذه العوامل متحدة ، بغض النظر عن الأسباب الكثيرة التي تؤثر على السعر صعوداً وهبوطاً.
الأسعار تسير في إتجاهات:
هذا المبدأ مهم جداً للمحلل الفني لكي يستوعبه بشكل كامل ، إذا لم يقتنع المحلل الفني بأن الأسعار تسير في إتجاهات ، فإنه بالتالي – وبشكل غير مباشر – سيقتنع بنظرية المسيرة العشوائية للأسعار Random Walk Theory وبالتالي فإن دراسة حركة السعر السابقة لن تفيد بأي شكل من الأشكال في معرفة التوجه المستقبلي للسعر والإستفادة من هذه التوقعات.
قد تكون النظرية الرئيسية للمبدأ الثاني من مبادئ داو أن الأسعار تسير في إتجاهات هي أن الترند (الإتجاه) برئ حتى يثبت العكس ، بمعنى آخر أن الترند الصاعد يبقى على نفس هذا الإتجاه حتى يثبث إنعكاس السعر (وهذه النظرية تعتبر ركن رئيسي في دراستي الخاصة للسلوك السعري برايس اكشن) تحت مبدأ الصورة العامة للسعر.
في الشارت أعلاه واضح بدون ان نقوم بالرسم بأن السهم في اتجاه صاعد ، والآن لنقم بتلوينه بعض الشئ وإضافه اتجاهات عليه..
والآن ، بالرغم من أن السهم يسير فعلياً في اتجاه صاعد ، إلا أن السعر دائماً ما يسير في إتجاهات ، في الشارت أعلاه وضحنا سابقاً بأن السهم في إتجاه صاعد (وهذا هو الإتجاه الرئيسي الحالي) ، ولكن ايضاً في حالات الإتجاه الصاعد الرئييسي يمر السهم بمسيرة عكس الاتجاه الرئيسي كما نلاحظ على الشارت في المسيرة الجانبية والهابطة.
عندما يقوم السعر بتكوين قمم أعلى وقيعان أعلى في كل موجة ( سوينق ) يعتبر السهم في اتجاه صاعد ، وعندما يقوم السعر بتكوين قيعان أدنى وقمم أدنى يكون في اتجاه هابط ، وما بين الاثنين يعتبر في مسيرة عرضية جانبية.
الأهمية الكاملة لهذا المبدأ والتي يغفلها الكثير من المضاربين – خصوصاً بعد تفعيل الصفقة – هي أن المضارب يتنبئ مثلاً بحدوث إرتفاع للسعر بقيمة ريالين مثلاً ، أو 200 نقطة على سبيل المثال ، ويقوم بإغلاق الصفقة إما بخسارة أو قبل وصول السعر للمستوى المستهدف لأنه لم يتدرب على فكرة أن السعر يسير في اتجاهات وليس في حركة عمودية ، قد يسير السعر كما تنبئ المضارب سابقاً 200 نقطة للأعلى ولكن في عدة شموع وبشكل متعرج بعضه صاعد وجانبي وهابط قبل تحقيق الهدف ، لا بد من فهم هذا المبدأ وانتظار السعر كي يصل للمستويات المستهدفة التي وضعنا عندها نقاط أخذ الربح.
التاريخ يعيد نفسه:
مرة أخرى ، لا داعي أبداً لتكملة دراسة أي شئ يتعلق بالتحليل الفني إن لم تؤمن بشكل كامل بأن التاريخ يعيد نفسه ، وبأن النموذج الذي قمت بملاحظته على الشارت الآن سيتكرر مستقبلاً ويحقق نفس النتائج – طبعاً ليس في كل مرة – ولكن هذا الأمر سنفرد له موضوع مستقل لحساسيته وأهميته للمتداول في أسواق المال. الأمر الآخر الممتع في هذا المبدأ هو أنك لم تتمكن أبداً من بناء إستيراتيجية خاصة لك في السوق إن لم تؤمن بهذا المبدأ ، كيف يعقل ان تقوم بدراسة الآف النماذج والإتجاهات والشموع الماضية وتدون كيف تحرك السعر بعد ظهور هذه النماذج مجتمعة في الماضي إن لم تؤمن بأن ما درسته من حركة السعر الماضية ستتكرر في المستقبل.
يرجى الإنتباه لملاحظة مهمة وهي وإن كان صحيحاً ان التاريخ يعيد نفسه ، ولكن هذا لا يعني أن نقوم بالدخول في صفقة جديدة ونتوقع ان تسير بنفس الشكل التي سارت عليه آخر صفقة ، كل صفقة تعتبر فريدة من نوعها ، لا يعني دخولك عند مستوى دعم اليوم ويصل السعر الى مستوى المقاومة وتحقق بعض الربح ان يعني ذلك ان الصفقة القادمة غداً عند مستوى دعم معناه ان السعر سيتجه الى مستوى المقاومة المقبل وتحقق اهدافك مرة أخرى ، تذكر ان كل صفقة تعتبر فريدة في حركتها ولكن هذا لا يلغي بالطبع مبدأ أن التاريخ يعيد نفسه.
الختام:
قم بمراجعة هذه المبادئ الثلاث التي ذكرناها في هذا المقال وتأكد بـأنك استوعبتهم بشكل كامل ، حاول في المرة القادمة عندما تقوم بتحليل سهم معين عدم إفتراض اخبار مخفية او معلومات انت بحاجة اليها – لأنها دائماً ستكون هناك امور اخرى لا تعرفها – وقم بالتأكد بأن كل شئ تعرفه ولا تعرفه قد استوعبه السعر بشكل كامل وبذلك ترتاح مع تطبيق المبدأ رقم واحد السعر يحسم كل شئ.
حاول ان لا تتأثر كثيراً بأفكار سلبية تقوم انت بتوليدها او تسمعها من شخص آخر عندما يخبرك بأن الأسواق لا تخضع لنموذج معين وأنها بالكامل تسير بشكل فوضوي وعشوائي ، نعم هناك بعض العشوائية في مسيرة الاسهم والعملات ولا احد ينكر هذا وذلك يعتبر ردة فعل طبيعية لآلاف إن لم نقل لملايين الأوامر التي يتلقاها السوق بالبيع والشراء على حسب إختلاق توقعات المضاربين والمستثمرين ، ولكن بشكل عام ، هناك اوقات كثيرة يسير بها السعر في إتجاهات يمكن قياسها وتوقع بدايتها وحتى احياناً يمكن توقع بداية التصحيحات والإرتدادات فيها ، قم بالعمل على هذا الأمر وارفع من مهارتك في هذا المجال بتطبيق المبدأ رقم اثنين.
وأخيراً ، هذه الاسواق منذ عشرات السنين إلى اليوم تقوم بعكس توقعات وتنبؤات وآمال ومخاوف واطماع المتداولين والمستثمرين وإن تغيرت أسماؤهم ، ولكن الطباع البشرية واحدة لا تتغير ، وهذا هو المبدأ الثالث ، ولذلك من المتوقع ان يستمر هذا النموذج لسنوات كثيرة قادمة ويعيد التاريخ نفسه مراراُ وتكراراُ لأن نفسيات وطباع اللاعبين الأساسيين في السوق لن تتغير مع الوقت.
شكرآ