من منٌا لم يحلم بأن يحقق المستحيل ويصبح اكثر المضاربين نجاجحاً وربحاً في العالم.. من منٌا لم يحلم بأن تصبح نتائج صفقاته الرابحة شهريا تتجاوز 80 إلى 90 بالمائة من مجمل الصفقات ككل.. من منٌا لم يحلم ويتخيل كيف تتسابق القنوات التلفزيونية على عقد لقاءات مصورة معه لتسأله كيف استطاع الوصول إلى ما وصل إليه من ثراء فاحش في عالم التداول.. أو لإختصار كل ذلك.. من منٌا لم يحلم ويتخيل نفسه وقد وصل إلى الوصفة السحرية التي يستطيع عندها تنفيذ صفقاته بكل سهولة وهو يعلم مسبقاً بأنها صفقات رابحة.. كل هذه الأماني والتخيلات الإيجابية يتمناها المتداولين في الأسواق المالية من وقت لآخر.. وربما حتى بشكل يومي.. منذ أول يوم للمتداول في أسواق المال وهو ينتظر الفرصة التي سيقوم عندها برمي استقالته من الوظيفة التي يكرهها ويحمل جهازه المحمول وهاتفه ويطوف العالم بالأرباح التي يحققها وهو جالس في فندقه.. أو في بيته مع عائلته بدون ان يضطر للعمل بشكل يومي تحت إدارة شخص آخر.
كل هذه الأحلام والتخيلات جميلة ولا بأس بها وأتمنى إن شاء الله أن تستطيع تحقيقها في يوم من الأيام.. ولكن ظهوري المفاجئ لك الآن في هذا المقال الكئيب وفي وسط تخيلاتك الوردية الرائعة بمستقبلك المشرق يمكنك اعتباره ككابوس مزعج يرغب في تدمير هذه اللحظات الرائعة واحلام اليقظة وإعادتك بشكل عنيف إلى واقعك المرير المفلس.. هذه الرغبة المتوحشة من جانبي – إن إعتقدت انت بأنها كذلك – هدفها الأول ايقاظك من الغفلة التي تعيش فيها وتذكيرك لمرة أخرى بأنك لم تحقق بعد ما كنت تحلم به.. وللأسف ربما لن تحقق ذلك حتى آخر يوم في حياتك..
ألم أحذرك سابقاً بأنني سأكون ككابوس مزعج بالنسبة لك.. وبأن لدي رغبة جامحة في تدمير لحظات السعادة التي تعيشها حالياً.. ليس ذلك بسبب أنني اكره ان ارى سعادتك ورغبتك في تحقيق احلامك.. ولكنني افعل ذلك لأنني أدرك تمام الإدراك بأنك لن تحقق ذلك وانت في وضعك ومركزك الحالي.. وارغب فعلاً في مساعدتك بطريقة قد تضعك على الطريق الصحيح وربما لأول مرة لك منذ أن بدأت التداول.. وأن أشرح لك لماذا لم تستطع حقاً أن تحقق ما حلمت دوماً بتحقيقه.. وإليك الأسباب.
أنت لم ولن تحقق ذلك لأنك لا ترغب به أصلاً:
نعم.. لقد قرأت ذلك بشكل صحيح.. انت لم تنجح في ذلك بعد لأنك لا تريده اصلاً.. توقف لحظة لو سمحت.. هل جننت؟ هل فقدت عقلك للتو؟ هل تعتقد بأنني لم انجح بعد لأنني لا ارغب بذلك حقا؟ نعم.. انا اؤمن بشكل كامل انك لا ترغب بتحقيق هذا النجاح.. وجميع احلامك الوردية وتخيلاتك لا تعنيني بشئ.. هل تعلم لماذا؟ لأن احلامك السابقة ترتكز فقط على المظاهر والنتائج المادية فقط ولا ترتكز على الحجر الأساسي لتحقيق هذا الحلم.. هل تعلم ماهو الحجر الأساسي لتحقيق هذا الحلم؟ إنه الألم.. نعم إنه كذلك ، الألم والتعب والجهد هو ما يجب عليك أن تركز عليه وتحلم به.. وليس فقط النتائج كالمال والسفر والاستقالة وغيرها..
دعني أشرح لك ذلك بمثال سهل.. لو كان لديك ولدان في الجامعة.. الأول يقضي كل وقته في المحادثات التافهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وملاحقة مشاهير الميديا الذين لا هم لهم إلا زيادة اعداد متابعيهم بدون تقديم أي فكر يذكر.. وفي نهاية اليوم يقضي بقية وقته في سهر مع الأصدقاء في المقاهي والاستراحات لتكملة الوقت في احاديث اجتماعية فارغة لا طائل منها.. أما الولد الثاني فيقضي جل وقته في الدراسة والبحث والتقصي والتجهيز للامتحانات والواجبات والبحوث المطلوبة منه.. أي من هؤلاء الاثنين يرغب حقاً في النجاح؟
تذكر دائماً بأن الجميع يحلم بالنجاح.. أنت واخوانك واصدقائك وجميع من تعرف يحلم بالنجاح.. ولكن الأفعال التي نقوم بها هي من يحدد احتمالية تحقيق هذا النجاح بعد توفيق الله سبحانه وتعالى وليس فقط التخيلات والتأكيدات الايجابية بأننا سنحقق ذلك.. وهذه الحلقة تبدوا مفقودة عند الكثيرين ممن يرغبون بتحقيق احلامهم.. وبسبب تركيز الكثير على الايجابيات وترك السلبيات يقع هؤلاء فريسة سهلة لتحقيق احلامهم في عقولهم فقط بدون ترجمتها حرفياً على أرض الواقع.. اسمح لي بأن اعطيك مثال او اثنين على ذلك حتى تتضح الفكرة اكثر وتستطيع استخدامها بشكل افضل لتحقيق نتائج ايجابية في المستقبل.
لنفترض أنك تحلم بالحصول على جسم ممشوق وعضلي يحسده عليك الكثيرون.. بإمكانك الآن الإستمرار في تخيل تحقيق هذا الحلم لعشرين سنة قادمة ولكن بدون أي تقدم يذكر.. بل على العكس قد يمتلئ جسدك بالدهون والترهل وانت تجلس في منزلك وتمسك بالريموت كنترول متنقلاً بين خمسائة قناة تلفزيونية مختلفة.. أو أن تقوم بالتحضير للألم الناتج عن هذه الرغبة في تحقيق هذا الحلم بشراء ملابس مناسبة للرياضة والاشتراك في نادي صحي والمداومة بشكل شبه يومي على مفارقة الأهل والأصدقاء لقضاء ساعة او اكثر داخل هذا النادي الصحي متحملاً كل الآلام الناتجة عن هذه التدريبات الرياضية المرهقة للوصول الى هذا الجسم الذي ترغب به..
هل فهمت لماذا اعتقد بأنك لا ترغب بتحقيق حلمك في اسواق المال.. هل ادركت معنى الترحيب بالألم والجهد والتعب لتحقيق اهدافك وطموحاتك.. هل حلمت سابقاً بأن تتزوج من إمرأة جميلة تلبي كافة احتياجاتك ومن ثم صدمت بشكل عنيف بعد الزواج بسب تفكيرك المستمر بالنتائج الايجابية لهذا الزواج وعدم تفكيرك بما يجب عليك عمله لإنجاح هذا الزواج.. هل اخبرك أحدهم سابقاً بأنك يجب عليك أن تستعد لحوارات طويلة قد تكون متعبة لك مع شريكة حياتك حول مشاكل وأمور تافهه ربما بالنسبة لك.. وبأن عليك التزامات مادية يجب عليك القيام بها لإنجاح هذا الزواج.. وبأنه يجب عليك الاستعداد لزيارات اجتماعية عائلية والتظاهر بأنك معجب بذلك ايضاً.. وزيارات ومتابعات صحية في مستشفيات وبأوقات قد لا تكون مناسبة لك.. بالطبع لا.
او حلمت بأن ترزق بأطفال تحبهم بجنون ويبادلونك نفس هذا الحب.. ولكنك تفاجأت بكمية الأمور التي يجب عليك عملها لتربية وتعليم ومتابعة هذا الطفل حتى يكبر.. أليس كل ذلك يحدث بسبب أننا نحلم فقط بالنتائج المادية الايجابية بدون ان نفكر كيف نستعد نفسياً وعملياً لهذه المسؤوليات المنوطة بنا.. لدرجة أننا اصبحنا ننسى انه كي تسعد بالنجاح لا بد لك ان تشقى أولاً.. وتتألم وتتنازل واحياناً تضحي بوقتك ومالك وصحتك لتحقيق هذا الحلم.
لماذا يجب علي أن أفكر بشكل سلبي حتى انجح؟ هل يعقل ذلك؟
أنا لا اطلب منك ان تفكر بشكل سلبي على الإطلاق.. انا اطلب منك ان تفكر في أن تحقيق الأحلام يأتي بالتركيز على العمل فقط وليس بالتركيز على النتائج.. المال والتميز والنجاح لا يسقطون من السماء على رؤوس الأشخاص الذي يفكرون في ذلك على الدوام.. ولو أن ذلك ما يحدث فعلاً لأصبح كل اهل الارض ناجحين ومميزين ووو…واثرياء كذلك..
ولكن الواقع والمنطق يختلف عما تفكر به انت.. النجاح يأتي لشخص يعمل بجد ولا يفكر بالنجاح ولا يأتي لشخص لا يعمل ولكنه يفكر دائماً بالنجاح.. هل لاحظت هذه المفارقة العجيبة.. النجاح يصيب اشخاصاً قاموا بالتركيز على العمل فقط وبدون أن يشغلوا انفسهم بالنتائج المادية لهذا العمل.. يتفاجأون بأن ابواب الرزق والترقيات والمال يسقط في احضانهم بدون ان ينتبهوا بأنهم لم يفكروا في ذلك بشكل عميق.. كل ذلك بسبب أنهم عملوا بالأسباب ولم يتكلوا فقط على اوهام وتخيلات لا تغني عن جوع..
كيف أعرف من أنني على الطريق الصحيح لتحقيق احلامي؟
سؤال وجيه.. ولكن دعني اجيبك على هذا السؤال بأسئلة أخرى.. هل تستطيع الجلوس بمفردك أمام الشاشة لمراجعة حركة السعر ومحاولة معرفة كيف تتغير الاتجاهات وتشكيلات الشموع؟ هل أول ما تبحث عنه في اليوتيوب هي الفيديوهات الخاصة بالتحليل الفني؟ هل أول شئ تفكر به عندما تستيقظ من النوم في الصباح او قبل الذهاب للنوم في الليل عن المعلومات التي ترغب بدراستها حول المضاربة في الأسواق؟ هل تحاول البحث بإستمرار على امازون وشراء الكتب الخاصة بالتداول لدراستها وفهمها؟ بإختصار.. هل الإستمرار في التعلم والدراسة لحركة الاسواق المالية هو شغلك الشاغل؟ إذا كانت الإجابة بلا فأنت لم تلتزم بعد برغبة حقيقية للنجاح في هذا السوق..
الختام:
إذا اردت ان تعرف مدى اقترابك من تحقيق احلامك فإنظر دائماً إلى افعالك وليس إلى كلامك وتخيلاتك.. إن كنت على استعداد على ان تقضي ساعات طويلة يومياً في البحث والدراسة والتجربة في أسواق المال حتى تصل لطريقة سلسلة يمكنك معها العمل وتنفيذ صفقاتك بشكل يومي وبعد ذلك تقوم بتنقيح وتطوير وتحسين هذا العمل.. إذاً يمكنك ان تفخر بنفسك وتعرف انك تسير على الطريق الصحيح.. وستقوم ايضاً عندها بالإقتناع بأنك ترغب جدياً بتحقيق اهدافك واحلامك من خلال العمل.. أما إذا كنت ترغب فقط بتحقيق هذه الاحلام بدون ان تدفع الثمن اللازم لعمل ذلك عبر السباحة لساعات طويلة في احلام يقظة وردية لا فائدة منها فقم بعمل ذلك بدون حرج.. ولكن انصحك خلال ذلك الوقت بأن لا تقوم بإلقاء نظرة على حساب محفظتك المرير حتى لا تستيقظ من هذه الاحلام على كوابيس مرعبة بعض الشئ.. وللأسف ستكون كوابيس حقيقية..
فالنتائج لا تكذب.. أبداً
شكرا على التشخيص الرائع للمرض والعلاج المر والشفاء والتوفيق بيد الله
احسنت أخي فيصل … إذا لم يكن المضارب شغوفا بهذا العمل و باحثا مستديما عن أدواته فلن ينجح فيه.
صراحة من أجمل ما قرأت عن تحقيق الأحلام . شكرا جزيلا دروس مفيدة جدا