يقال ، إذا عرف السبب بطل العجب ، وبالنسبة للمتداولين نقول إذا عرفت سبب دخولك في هذا السوق ستعرف لماذا قمت بتحقيق هذه النتائج التي حققتها بنفسك حتى الآن – حتى ولو لم تكن راض تمام الرضى عن نتائجك – تقول الدراسات بأن تحقيق الهدف مربوط بالسبب الذي من اجله قمت بمحاولة الحصول على هذا الهدف.
في إحدى اللقاءات مع المضارب المعرف إد سيكوتا سأله المحاور عن سبب تنوع النتائج التي يحصل عليها المضاربين بعد دخولهم في هذا السوق ، فأجاب سيكوتا بأن السوق سيعطي كل متداول بالضبط ماكان يبحث عنه ، ولكن لنتوقف للحظة ونراجع هذه المقدمة ، هناك الكثير من المضاربين في السوق يحصلون على خسائر مستمرة ، والبعض الآخر يحصل على الشهرة ، ونسبة أخرى يسعدون بمسمى محلل اسواق مالية في اوساط التواصل الإجتماعي ، والبعض يسعد بالمغامرة والنشوة عند تنفيذ صفقات في السوق ومجموعة أخرى تسعد بوضع رهاناتها على حركة السوق المستقبلية ، والقلة القليلة من المتداولين تحصل على الكثير من المال..
السبب:
قد يتفق معي الكثير من القراء حول المجموعة من المضاربين الذين يبحثون عن الشهرة والمغامرة والمقامرة وحول حصولهم على ذلك ، والبعض الآخر قد يتفق معي حول ان قلة قليلة تحصل على الكثير من المال ، ولكن لن يتفق معي أحد ربما حول ان الكثير من المتداولين يستمرون في سلسلة لا نهاية لها من الخسائر المستمرة ، هل بالفعل هذا ما يبحث عنه هؤلاء المتداولين ، الإجابة على ذلك هي بأن هؤلاء المتداولين وبسبب هاجس الخوف والهلع من خسارة رأس المال فإن ما يحصلون عليه بالضبط – وهو ما سيقوم السوق بتزويدهم به بإستمرار – هو الخسائر المتتالية التي لن يعرف المتداول سبب استمرارية هذه الخسائر ، هؤلاء المتداولين وبسبب تركيبتنا البيولوجية المعقدة ، يبحثون بإستمرار عن عدم خسارة رأس المال بدلاً من تنميتها ومضاعفتها والإعتناء بها ، دخولهم للسوق هو من موقف دفاعي (دفاعاً عن خسارة رأس المال) بدلاً من ان يكون موقف هجومي (تنمية رأس المال) ، وبالتالي وبحسب قانون التركيز الذي ينص على أن ما تركز عليه يكبر وينمو ويصبح واقعك الفعلي ، فإن تفكيرهم المستمر بالمال وشعورهم بالحزن والهم والاسى عند خسارة جزء منه ومحاولة الانتقام من السوق لإعادة ما تم خسارته سابقاً يجعلهم دائماً يدورون في حلقة مفرغة مجمل التركيز فيها على المال فقط.
كيف يمكنك تغيير هذا السبب والإنضمام لقائمة الرابحين في السوق:
بدون ان نقوم بتعقيد الامور وفلسفستها اكثر مما يلزم لذلك ، التغيير الفعلي يبدأ بتغيير الاسباب ، ولكي تتمكن من تغيير الاسباب لا بد ان تغير من طريقة تفكيرك أولاً ، لن تتمكن – الآن ولاحقاً – من التداول بموضوعية واحترافية في السوق وانت تحمل عقلاً مشتتاً لا يفكر الا بالمال فقط ، وفي نفس الوقت ، ولكن لو استطعت اقناعك بأن تبعد تفكيرك عن المال وتفكر في شئ آخر كما يفعل المضاربين الناجحين في السوق ، فماهو هذا الأمر الذي يجب عليك التركيز عليه بدلاً من المال ، وكيف يفكر القلة القليلة من المضاربين المحترفين في السوق ، اسمح لي بإعطائك المثال التالي وسوف تتضح لك الفكرة تماماً:
المضارب رقم 1 ورقم 2 قرروا البدء في المضاربة في اسواق المال وكل منهم بدأ بمبلغ 250,000 ريال ، المضارب رقم 1 قام ببناء احلام عريضة حول الاستقالة من عمله والتداول من منزله وتحويل رأس المال الى عدة ملايين خلال فترة قصيرة ، بعد عدة خسائر متتالية هبط رأس ماله الى النصف ، تغير تفكيره بالكامل الآن الى محاولة اعادة رأس المال بالكامل واسترداد ما قام السوق (بسرقته) منه ، وبعد خسارة نصف رأس ماله مرة أخرى ، اصبح يتداول محاولاً قدر الإمكان عدم خسارة اي مبلغ جديد بعد ان وصلت خسارة رأس ماله الى 75% من رأس ماله ، بالنسبة لهذا المتداول ، نستطيع ان نقوم بتقسيم خبرته بالتداول الى ثلاثة اقسام متتالية ، الفترة الاولى كانت احلام بمضاعفة رأس المال الاساسي (التفكير في المال فقط) ، وخلال الفترة الثانية كانت محاولته إعادة رأس المال بعد خسارته لنصف ما يملك (التفكير ايضاً في المال فقط) ، وخلال الفترة الثالثة وبعد ان عانى كثيراً من آلام نفسية ومالية اصبح كل تفكيره بعدم خسارة اية مبلغ جديد مهما بلغت ضآلته (التفكير في عدم خسارة المال ايضاً). لذلك نرى انه وخلال ثلاث مراحل مختلفة مازال تفكير المضارب رقم 1 بالمال فقط. والآن لنأخذ جولة حول أداء المضارب رقم 2.
المضارب الثاني بدأ بنفس مبلغ المضارب الأول ، ولكنه يحمل عقلية وتفكير مختلف بعض الشئ ، هذا المضارب يثق تمام الثقة بأن التعليم والإختبار الحقيقي للمضارب يبدأ عند تداوله بأموال حقيقية ، ولأنه يحمل معه عدد من الاستيراتيجيات التي يرغب بإختبارها بشكل عملي في السوق ، قرر التركيز على أداؤه والخطوات التي يقوم بتنفيذها عندما يقوم بتفعيل صفقة جديدة مع تحديد اقصى مبلغ يمكن خسارته في أي صفقة بدون أن تؤثر على رأس المال بشكل كبير ، ولذلك كان يقوم بتسجيل تجربته وحركة السعر بعد كل صفقة يقوم بإغلاقها ، ومن ثم يحاول تطوير استيراتيجيته وتحسينها بشكل مستمر مع الإستمرار بمخاطرة بجزء صغير من رأس ماله في كل مرة.
لو سألتك بشكل سريع ، من تتوقع له النجاح في المستقبل ، المضارب رقم 1 الذي يفكر في المال فقط او المضارب رقم 2 الذي يفكر بالاستمرارية مع التحسن المستمر ، هل اصبح واضحاً بالنسبة لك انك اذا قمت بالإستمرار بالتفكير بالمال فسوف تخسر الكثير منه ، وهذا في الواقع لا يعتبر سبباً وجيهاً لدخول السوق ، ولكنه للأسف يشكل نسبة 100% من اسباب دخول المتداولين لأسواق المال ، ولكن 5% من المتداولين يدركون لاحقاً – وبعد خسارة رأس المال لمرة او مرتين – ان سبب دخولهم في السوق وتفكيرهم برأس المال وبالمحفظة وبالأرباح لن يقودهم للهدف الذي يرغبون بالحصول عليه ، لذلك قاموا بتغير ذلك بشكل جذري واصبح تركيزهم بالكامل على الأداء والتحسن والتطوير ، والمال يأتي بعد ذلك بشكل آلي.
السلام عليكم , الشرح اكثر من رائع و يحاكي الواقع , الرجاء الاستمرار بالكتابة بهذه المواضيع التي تعكس الجانب النفسي للمضارب
تسلم استاذ فيصل على المقال
جيد
فكرة حلوة وملعوبة صح
كل عام وانت بخير دمت رائعا وموفقا بأذن الله