الأربعاء , سبتمبر 27 2023

هل بدأت بالشك حول حقيقة أن التداول بالسوق اصعب بكثير مما كنت تعتقد

 

إسأل أي شخص في أي مهنة كانت أو عندما قرر تعلم مهارة ما أو لغة جديدة سيخبرك بالتالي “في البداية كان الأمر صعباً للغاية ولم افقه أي شئ ولكن مع الوقت اصبحت هذه المهنة أو هذه المهارة أو تلك اللغة الجديدة سهلة جداً وأنا مستعد للقيام بها وانا نائم”.

هذا ما نشعر به تقريباً مع أي شئ جديد نتعامل معه.. في البداية صعب جداً ومستحيل ثم نقوم بتعلمه وعمله ونحن نفكر في كل خطوة ثم نصل لمرحلة متقدمة يصبح هذا العمل ( أو المهارة الجديدة ) روتينية تماماً ونقوم بها بدون وعي.

هل تذكر عندما بدأت تعلم اللغة الإنجليزية.. هل تتذكر عندما كنت تقوم بترجمة كل كلمة تسمعها من الشخص الذي يتحدث اليك بالإنجليزية في رأسك ثم تقوم مرة أخرى بترتيب الرد والجملة التي ستقولها لهذا الشخص في رأسك أيضاً قبل أن تتحدث.. ربما الآن وصلت لمرحلة تتحدث فيها هذه اللغة بدون تفكير وبطلاقة مدهشة كما تتحدث العربية بالضبط ( على الأقل بعض الجمل المعروفة والمتداولة بكثرة ).

إلا التداول يبدوا أنه شاذ عن هذه القاعدة.. ولو اقتصر الأمر على كونه شاذ فقط فلا مشكة ولكنه أيضاً يختلف عن بقية المهارات والأمور الأخرى التي نتعلمها بأننا نشعر انه يزداد صعوبة مع الوقت.. وليس أنه يصعب علينا تعلمه واحترافه فقط.

هل سمعت نفسك تقول يوماً والله إني عندما بدأت بالتداول كنت افضل من الآن.. هذا يلخص إلى حد ما ما أحاول إخبارك به..

يا ترى لماذا نشعر بذلك عند التداول؟ ولماذا يزداد لدينا الضغط والقلق النفسي كلما زادت المدة؟ لماذا نشعر باليأس مع مرور الأيام بدلاً من الشعور بالأمل؟ الإجابة بذلك وبأبسط صورة قبل تفصيل الموضوع هو عدم وصولنا للهدف بعد من جهة.. والأمر الآخر أن التداول ينافي طريقة عمل عقولنا الفطرية.

مقارنات بسيطة لمعرفة أوجه التشابه والإختلاف

حتى يصبح الموضوع أسهل بالنسبة اليك سأقوم بعمل مقارنة بسيطة بين التداول في السوق وبين تعلم لغة جديدة ( الانجليزية مثلاً ) وعند ذلك ستكون قادراً على معرفة الصعوبات والتحديات الضخمة التي قبلت بها عندما قررت أن تتداول وتستثمر في السوق.. إتفقنا

في البداية.. أنت لن تقوم بعمل أي شئ إذا لم يكن من وراء ذلك هدف.. عندما تشاهد مباراة كرة قدم أو تلعب بالورق مع اصدقائك حتى فأنت تقوم بذلك لتحقيق هدف.. قد يكون هدفك هو قتل الوقت أو طرد الملل أو عدم الرغبة في البقاء وحيداً أو على الأغلب لأن هذه الأمور تجعلك تشعر بسعادة.

بالنسبة للغة الجديدة.. أنت ترغب بتعلمها لتحقيق هدف القدرة على التواصل مع الآخرين أو الحصول على وظيفة افضل ( أو ترقية ) الخ.

إذاً ستبدأ بالأساسيات وتعلم قواعد اللغة والأسماء والأفعال والضمائر والمفردات.. ثم بعد ذلك ستتعلم الأزمنة والإختلاف عند الحديث بصيغة الماضي والحاضر والمستقبل.. ثم ستصبح قادراً ليس فقط على ذكر كلمات مفردة بل ستصبح قادراً على صياغة جمل كاملة وإلقاء أسئلة على الآخرين والإجابة ايضاً باللغة الانجليزية.

كل هذا جيد بل رائع حقيقة..لماذا؟ لأن هذه الأشياء البسيطة تجعلك تشعر بالسعادة لأنك اصبحت شيئاً فشيئاً قادر على تحقيق هدفك وهو القدرة على التواصل مع الآخرين بلغة أخرى غير لغتك الأم.

هذا سيجعلك تزداد رغبة بزيادة تعلمك لهذه اللغة الجديدة والآن بعد أن اصبحت قادراً على الحديث بطلاقة اصبحت تركز على تعلم اللهجة وليس فقط اللغة.. في هذه المرحلة اصبحت تتحدث بلهجة امريكية او بريطانية بعد أن تعلمت الكثير عن ذلك.. ولهذا تشعر بسعادة بالغة أنك حققت هدف مهم بالنسبة لك.

الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية عن سعادتك بتحقيق الهدف هو القواعد الثابته لتعلم اللغة الانجليزية.. المفردات والجمل والأسئلة والقواعد التي تتعلمها هي نفسها ما سيتعلمه أي شخص آخر بالإضافة إلى أنها ثابته لا تتغير.. وهذا يجعلها اسهل بكثير مما نعتقد مع الوقت.

المصيبة الكبرى.. محاولة احتراف التداول

بعد أن إنتهينا من مثال تعلم اللغة الإنجليزية.. لنتحدث بعض الشئ عن الكوارث التي ستواجهك عندما تحاول احتراف التداول.

كما اتفقنا انك تقوم بعمل أي شئ لتحقيق هدف.. الهدف الرئيسي لكل المتداولين بلا استثناء هو تحقيق أرباح.. المشكلة ليست في أن الكثير من المتداولين لا يحققون ارباحاً مع الوقت بل الأمر اصعب من ذلك بعض الشئ.. الكثير منهم يبتعد اكثر فأكثر عن هدفه مع الوقت وذلك عندما تزداد الخسائر ( بالمناسبة الخسائر هي عكس الأرباح 🙂 ) وكما قلنا فإن هدف المتداولين الرئيسي هو تحقيق الأرباح فبإمكانك تخيل شعور المتداول الذي يشعر أن كل يوم يمر عليه يبعده اكثر عن هدفه.

الكارثة الاكبر أن التداول ليس له قاعدة ثابته يمكنك الإلتزام بها لتحقيق أرباح عكس تعلم اللغة كما تحدثنا في المقطع السابق.. عندما تحاول الإلتزام باستيراتيجية وتقوم بتنفيذ صفقة فهذا لا يعني أنك ستحقق ربح في الصفقة القادمة إذا استخدمنا نفس الاستيراتيجية..

حتى لو قمت بإختبار هذه الاستيراتيجية آلاف المرات فإن ذلك لا يضمن لك تحقيق ربح بإستخدام نفس الاستيراتيجية في الصفقة القادمة.. أو حتى في العشر صفقات القادمة.

لن تستطيع في يوم من الأيام أن تصل لاستيراتيجية ثابته تحقق ربح مضمون وهذا أمر نفسي رهيب لدرجة يصعب تخيلها..

ماذا ستفعل لو حاولت استخدام 20 استيراتيجية حمية مختلفة لإنقاص وزنك ووجدت أنها كلها فشلت في تحقيق الهدف.. الأمر المتوقع هو أنك سترمي كل هذه الاستيراتيجيات عرض الحائط وستصبح أسوأ من قبل أن تبدأ برامج الحمية تلك.. نفس الأمر بالنسبة للتداول..

هل نحن بشكل بديهي وفطري مناسبين للتداول؟

الأمر الآخر الذي يجعل التداول صعب بشكل لا يطاق بالإضافة لموضوع عدم القدرة على تحقيق الهدف هو أننا بشكل بديهي وفطري لا يناسبنا التداول في أسواق المال..

وبالرغم من أن هذا السبب يحتاج لكتاب كامل لتفسيره إلا أنني سأحاول اختصاره في هذا المقال..

لو كنا جاهزين بالفطرة للنجاح وتحقيق أرباح بالتداول لإستطعنا خلال شهور او سنوات محدودة تحقيق هذا الهدف.. عقولنا تواجه مشكلة حقيقية بالتعامل مع المجهول والمستقبل وهذا بالضبط فكرة التداول بالكامل.. نحن ننفذ صفقة ( الآن ) ونواجه مشكلة كبيرة بإنتظار حركة السعر ( المستقبلية ) والمجهولة للجميع.. أي نقطة يتحركها السعر عكس توقعاتنا تمثل خطورة بالغة لأنها تهدد بشكل مباشر تحقيق اهدافنا وهي الارباح كما اتفقنا.. فشلنا في تحقيق الهدف سيجعلنا نشعر بأمر خطير للغاية وهو أننا غير كفؤ لتحقيق هذا الهدف.. بالإضافة إلى أنها ستقوم بشكل غير واعي بأننا سنفقد ثقتنا بهذه الاستيراتيجية التي نستخدمها لتحقيق هذا الهدف..

ألم تلاحظ بنفسك بأن غالبية الناس تميل إلى البحث عن وظيفة (براتب مضمون) بدلاً من العمل الحر أو العمل مقابل نسبة مئوية؟ كل هذا نابع من رغبتنا الرئيسية للشعور بالأمان بوجود مصدر دخل – أياً كان قدره – بدلاً من المخاطرة بعمل قد لا يأتي منه أي ربح..

أو أسوأ من ذلك أنه قد ينتهي بخسارة..

وهذا ما يحدث معنا يومياً في أسواق المال..

نحاول التسجيل في دورات تدريبية وتعلم استيراتيجيات اكثر وشراء برامج تداول آلي والبحث عن توصيات مضمونة كل ذلك رغبة في تحقيق هدف أولي وهو عدم خسارة رأس المال.. ثم بعد ذلك تحقيق هدف وهو البحث عن أرباح من وراء هذا العمل.

الخاتمة

عندما قمت قبل سنوات عديدة بمراجعة تاريخ وحياة افضل المضاربين في العالم لم أجد منهم أي أحد استطاع تحقيق النجاح في سنواته الأولى.. والكثير منهم فكر بالإنسحاب من هذا السوق اكثر من مرة بسبب الخسائر المستمرة.. أحد الأسباب التي لم أذكرها لك بعد في المقال أعلاه هو أنك قد تقضي سنوات عديدة في السوق بدون أن تستطيع أن تفهم حقيقة كيف سيمكنك تحقيق أرباح في هذا السوق خصوصاً بعد أن قمت بإختبار استيراتيجيات عديدة بدون أن تجد طريقة واضحة للمضاربة بدون خسائر أو بشكل افضل ان تكون قادرة على تحقيق ربح مضمون.

هل استطعت ولو حتى بنسبة بسيطة معرفة الكارثة التي جلبتها لنفسك عندما وضعت هدف تحقيق ارباح من وراء التداول بالأسواق المالية؟ لقد بدأت بمشروع لتحقيق ارباح بدون معرفة اسراره وبدون معرفة كيف تصل لهذه الاسرار لأنه لا يحمل قواعد ثابته ومع الوقت تجد أن هدفك يبتعد اكثر من ذي قبل.

تتمنى أن تتوقف ولكن عندما تتذكر المدة التي قضيتها والمعلومات التي حصلت عليها والدورات التدريبية التي التحقت بها والأهم من ذلك الأموال التي خسرتها في السوق تجد أن فكرة رمي المنديل والإنسحاب مستحيلة تقريباً.. ولكن مع ذلك وبالرغم من كل الصعوبات التي تجعل التداول أمراً مرهقاً بحق فأنت بإذن الله ستكون قادراً على أن تقترب اكثر فأكثر من هدفك إذا قررت واخترت الإستمرار بالتعلم والممارسة والتوكل على الله حتى بالرغم من عدم ظهور أي بصيص أمل في الأفق.

الإنسحاب يعني دوماً الفشل والإستمرار يعني الإصرار وبإذن الله مع الوقت والجهد والعرق والدم والمعاناة الكافية ستصل للحلم وستنظر خلفك لتتذكر سنوات الفشل والمرارة ولكنها في ذلك الوقت ستبدوا كفترة قصيرة جداً بل وستشعر بالحنين لتلك السنوات العجاف التي قامت بجعلك الرجل المخضرم الذي هو أنت عليه الآن..

الرجل الذي لا يعترف بالمستحيل..

ولا يعرف معناه حتى..

ولأنني مؤمن أنك بإذن الله ذلك الرجل.. قم بوضع هدفك الرئيسي وهو تحقيق ارباح مستمرة على أنه الخيار الوحيد الذي أمامك.. إما أن أصل لهدفي بإذن الله أو سأستمر بذلك حتى الموت..

وهذا يعني أمر واحد فقط.. أنك ستحاول عمل وتعلم كل شئ حتى تصل لذلك الهدف بغض النظر عن السنوات التي سيستغرقها ذلك.. ولكن هذا لا يمنع من فهم ما أحاول إخبارك به منذ أن بدأت كتابة هذا المقال الذي تقرأه الآن..

وهو أن هذه الرحلة ستكون صعبة جداً ولن تكون هينة أبداً.. ومن يخبرك عكس ذلك عليه إثبات سهولة هذا الأمر.. ستقوم بعمل اشياء كثيرة وتغيير استيراتيجيات عدة قبل أن تستقر على إسلوب ( قد ) تستطيع معه في يوم من الأيام تحقيق هذا الحلم..

ثم بعد ذلك العمل المستمر على تطوير وتحسين هذه الاستيراتيجية بشكل غير نهائي..

وفي مرحلة ما أتمنى إن شاء الله أن تصل اليها ستلتفت للوراء وستشعر بالحنين لكل ذلك الشقاء والتعب والوقت الذي امضيته حتى وصلت الى ما وصلت اليه الآن.. وستبدأ في قطف ثمار تلك المرحلة.

بالنسبة لي انا شخصياً ورغم كل الوقت والقراءة والتطبيق والدراسة التي قمت بها عندما بدأت التداول بالأسواق المالية فإن الأمر استغرق معي اكثر من تسع سنوات حتى بدأت احقق ارباح مستمرة.. أتمنى أن لا تستغرق أنت كل ذلك الوقت حتى تحقق ذلك.

دمت بود..

5 4 votes
Article Rating

عن فيصل السوادي

فيصل السوادي ، محلل فني معتمد CFTe وعضو بالجمعية العالمية للتحليل الفني IFTA Organization مدرب ومحاضر لاستيراتيجيات السلوك السعري و أقوم بتقديم العديد من الدورات التدريبية في التحليل الفني والإدارة المالية والحالة الذهنية والنفسية الصحيحة للتداول في أسواق المال.. للوصول الى كل نشاطات المدرب التدريبية قم بزيارة الرابط https://bettertrend.net/trainers/details/11

شاهد أيضاً

على من تقع المسؤولية عند خسارة مضارب أو تعلقه بصفقة جديدة في السوق؟

  في الفيديو الاخير تحدثت عن المسؤولية وقت التداول وكيف أن الإشارة باليد إلى الجميع …

Subscribe
نبّهني عن
guest

2 تعليقات
الأكثر تصويتاً
الأحدث الأقدم
Inline Feedbacks
View all comments
mostafa abdelzaher
mostafa abdelzaher
3 سنوات

مقال ممتاز واسلوب رائع .

ابو عبدالله
ابو عبدالله
3 سنوات

مقالة مهمة ومميزة استاذ فيصل , بارك الله فيك  وبارك في علمك ومجهودك الرائع

 

قم بالإطلاع على نشرة الاسواق اليومية الجديدةعلى هذا الرابط
2
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x