نظرة في داخل عقل المضارب السوبر

انظر إلى هذا المضارب المحترف هناك.. إنه يحمل عقلية فذه قادرة على تحليل الشارت بدقة والتوصل لقرارات حاسمة.. يتعامل بهدوء مثير أمام تذبذب الأسعار الحاد.. ذكي ومحترف وقادر على الإستفادة من تحركات وإتجاهات السعر أينما ذهبت.. منضبط تماماً وتحت أعتى الظروف القاسية في السوق..

ياله من محظوظ.. أتمنى أن افهم كيف يتعامل مع السوق بكل هذا الدهاء والهدوء في نفس الوقت..

هل من الممكن أن نصل في يوم من الأيام إلى هذه الصورة الجميلة التي نتخيلها عن المضارب السوبر؟ الإجابة الحالمة والمحفزة هي نعم.. ولكن الحقيقة – المرة – هي نعم أيضاً ولكن بعد فترة طويلة من التداول..

وبعد فترة طويلة من حرب شعواء يكون فيها المحارب أنت فقط وعدوك ايضاً هو أنت فقط..

حرب داخلية لا يعلم عنها أحد حتى اقرب الناس اليك.. تحاول بشتى الطرق شرح الصعوبات التي تواجهك والتحديات التي تخوض فيها كل يوم للآخرين ولكن لا يشعر بها أحد سواك..

لماذا يا ترى؟

لأنها ببساطة حرب داخلية بينك وبين عقلك الذي يملي عليك ما يجب عليك عمله..

ولذلك سنحاول اكتشاف أهم ميزة يحملها المضارب السوبر بالنظر داخل عقله وبين ما نفتقده نحن.. ولكن قبل ذلك لنتحدث لبعض الوقت عن العقل وبعض أسراره العجيبة.

أنا ( وعقلي )..

الدراسات العلمية تؤكد بأن وزن المخ لجسم الإنسان بالكامل لا يتعدى 2% ومع ذلك هو يستنفذ 20% من الطاقة التي نحصل عليها.. هذه الطاقة التي يستخدمها المخ تساعدنا على استخدام عقولنا بالطاقة القصوى على حساب العضلات والقوة مقارنة بالمخلوقات الأخرى التي تذهب طاقتها القصوى لإستخدام السرعة والعضلات والدفاع عن النفس.. وهذا أمر إيجابي خصنا الله سبحانه وتعالى وكرمنا به.

ولكن هذا المخ ( بكل تعقيداته الداخلية ) وهذا العقل ( بكل إمكاناته الفكرية ) بحاجة ماسة للكثير من التحوير والتغيير حتى يلائم بيئة السوق المضاربية والتعامل المجهول مع المستقبل..

بإمكانك ببساطة التأكد من هذا الأمر عبر النظر حولك لكل المضاربين الذين تعرفهم بشكل شخصي.. هل استطاع احد منهم التداول بدون تردد أو خوف أو قلق بالرغم من كل المعرفة والمهارة التي حصلوا عليها بعد تعلم التحليل الفني والأساسي؟ وهل بعد مرور سنوات طويلة من التداول اصبحوا قادرين على التداول والمضاربة بشكل احترافي وفعال؟

من اكثر الأخطاء التي نقوم بها دون وعي هو أننا نعتقد بأننا نتصرف وفق الظروف الراهنة بشكل منطقي وعقلاني وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.. تحدثت في مقال سابق عن طريقة تصرفنا العاطفية بالرغم من وضوح المنطق المنافي لهذا التصرف.. في هذا المقال سأشرح لك واحدة من أهم الميزات الأساسية التي تميز المضارب السوبر عن بقية المضاربين الآخرين.

الميزة الأساسية

لو طلبت مني إختيار واحدة من أهم الميزات الأساسية التي تميز المضارب السوبر وبقية المضاربين قد تعتقد بأنني سأختار واحدة من الأدوات أدناه:

• المضارب السوبر يمتلك استيراتيجية أقوى من التي يمتلكها الآخرين
• المضارب السوبر يختار توقيت افضل للدخول من التوقيت الذي يختاره الآخرين
• المضارب السوبر يحصل على معلومات افضل وأسرع من الآخرين

صحيح أن هذه الأدوات جميعها رائعة وتقوي فرصنا بالنجاح ولكنها ليست الأداة الرئيسية التي يمتلكها المضارب السوبر.. لو ألقينا نظرة فاحصة داخل عقل هذا المضارب السوبر سنكتشف هذه الميزة الرهيبة التي لا تقدر بثمن..

وهي.. حق إختيار التصرف الصحيح بغض النظر عن كل شئ آخر..

لحظة واحدة عزيزي الكاتب.. لقد قمت بإختيار عنوان رنان لهذا المقال وبداية مشوقة لكي تخبرني في النهاية بهذا الإكتشاف الساذج؟!!

هل رأيت عزيزي القارئ ما أحاول إخبارك به.. أنت مازلت تعتقد بأن المضارب السوبر يمتلك أشياء رهيبة لا يريد كشفها لأحد وأنت تعتقد بأن هذا الشئ هو استيراتيجية دخول خارقة تربح على الدوام..

استيراتيجية رهيبة قادرة على معرفة أين سيتجه السعر في المستقبل.. وبشكل ما.. وأقول بشكل ما هذه الاستيراتيجية الرهيبة قادرة ايضاً على أن تجعلك تحتفظ بهدوئك بعد تفعيل الصفقة وحتى يصل السعر للمستوى المستهدف بغض النظر عن التذبذبات السعرية التي ستحدث حتى يصل السعر للهدف.

حسناً.. سأقوم بمجاراتك في هذا الأمر ولكن هل من الممكن أن تجيب على هذه الأسئلة بإختصار شديد لتتأكد من عدم صحة أفكارك حول ذلك.

كم مرة حصلت على توصية لشراء سهم معين من أشخاص تعتقد أنت بأن تحليلاتهم لا تخطئ أبداً وتتفاجئ بأن السعر عاكس هذا التحليل وسار في الإتجاه الآخر..

وكم مرة حصلت على توصية من نفس هؤلاء الأشخاص ومع ذلك لم تستطع الحفاظ على هدوئك بعد تنفيذ الصفقة وقمت بإغلاقها بسرعة خوفاً من الخسارة بالرغم من قوة التوصية نفسها..

1. هل ساعدتك هذه التوصية على التداول بدون خوف أو تردد؟ لا..
2. هل استطعت المضاربة بمنطقية وموضوعية وبعيداً عن العواطف حتى بعد حصولك على توصية قوية؟ لا..
3. هل استطعت تحقيق ارباح أو على أقل تقدير حماية نفسك من الخسائر؟ بالتأكيد لا..

إذاً توقف عن مقاطعتي – لو سمحت – وأكمل القراءة..

حق الإختيار

إذا كنت قد هدأت بعض الشئ واصبحت مستعداً لبعض النصائح التي قد تساعدك لتصل لمستوى متقدم افضل مما أنت عليه الآن فإسمح لي أن أشرح لك مالذي اقصده بميزة حق الإختيار والتي تميز بشكل رئيسي هؤلاء المضاربين السوبر.. إتفقنا..

في البداية لا بد أن تعي بشكل كامل بأنك أنت وأنا وكل المضاربين الآخرين بلا استثناء تسري في عقولنا نفس الأفكار السلبية التي تؤثر بشكل أساسي على قراراتنا في السوق.. مهمة العقل الأساسية هي الحماية القصوى لنا طوال الوقت.. وهذا يشمل الحماية على الحياة والمال والسمعة والشرف وكل شئ تقريباً..

ليس من مهمة العقل أن تنجح وتبدع وتتطور.. ما يهمه أن يعرف هو كيف يقوم بتوجيهك لحمايتك من أي شئ وحتى نحصر كلامنا هنا بأسواق المال سنقوم بتعريف حمايتك من كل شئ بمبدأ حمايتك من خسارة رأس المال.

الأفكار الرئيسية التي تقوم عقولنا بتغذيتها داخلنا طوال اليوم هي أي شئ يتعلق بعدم خسارة رأس المال.. انظر إلى اكثر النصائح التي نتلقاها ونعمل عليها بشكل خاطئ والتي تدور حول عدم خسارة رأس المال.. أخبر أحدهم بأنك تفكر بفتح مشروع وقم بشرح الفكرة كاملة له ستجد أنه في النهاية يخبرك بنفس الأمر ويسألك بشكل عفوي..

ماذا لو خسرت رأس مالك في هذا المشروع؟

وعندما نتحدث عن التداول بالأسواق المالية فبإمكانك ضرب هذا الخوف في عشرة أضعاف ذلك.. لماذا؟ لأنك وبكل بساطة تشاهد ما يحدث أمامك مباشرة بعد تفعيل الصفقة مباشرة..

اللون الأحمر في الصفقات المفتوحة يجعلك في حالة خوف دائم.. أما اللون الأزرق فيجعلك في حالة غليان حقيقي لأنك لا تريد أيضاً خسارة هذه الأرباح المؤقتة في حسابك..

وهنا يأتي دور الخبرة والمهارة والحنكة التي يمتلكها هؤلاء المضاربين.. وهي الإختيار الصحيح بين الألم الحالي (مشاهدة الصفقات المفتوحة رابحة أو خاسرة) وبين المتعة الحقيقية (بعد إغلاق الصفقة) عندما يقومون بإختيار التصرف الصحيح بدلاً من التصرف المريح.

مالذي أقصده بالتصرف المريح؟ حتى تعرف إجابة ذلك قم بنفسك بالإجابة على الأسئلة أدناه:

لماذا قمت بإغلاق الصفقة الحالية بالرغم من أنها في حالة ربح عائم ومتجهه نحو الهدف بدون مشاكل؟ لأن هذه الصفقة المفتوحة (السبب) جعلتك في حالة غير مستقرة ولذا كان خيار إغلاق هذه الصفقة (النتيجة) هو الحل الأمثل للخروج من حالة عدم الإستقرار تلك.

ويمكنك قياس ذلك على ما شئت.. خذ على سبيل المثال قرارك بعدم تنفيذ صفقة حالية بالرغم من وضوح الإشارة الفنية.. أو محاولة الإنتقام من السوق بسبب خسارة صفقة سابقة.. أو المخاطرة بمبلغ عالي لأن الصفقة الأخيرة انتهت بربح.. الخ

عندما نقوم بعمل مقارنة بسيطة بين عقلية المضارب السوبر وعقلية المضارب العادي سنكتشف التالي:

	المضارب العادي	المضارب السوبر
أفكار سلبية ( السبب)	نعم يشعر بها	نعم يشعر بها
تصرف مريح ( نتيجة ) للخروج من هذه الحالة	نعم يقوم بذلك ليخرج من هذه الحالة على الفور	لا يقوم بذلك بالرغم من حالة الألم الذهني
تصرف صحيح ( نتيجة ) بالرغم من مناقضة ذلك لما يدور في العقل	لا ، التصرفات الصحيحة والمنطقية غير واردة	نعم ، وهنا يمكن الفارق الجوهري

هل شاهدت في هذا الجدول البسيط الفارق الضخم بين عقلية المضارب السوبر وغيره من المضاربين.. إنه يشعر تماماً بنفس الأفكار السلبية التي تحاول حمايتنا من حالة عدم الإستقرار الذهني ولكن مع ذلك يرفض التصرف المريح للخروج من هذه الحالة ويصر على إتخاذ قرار صحيح بالرغم من أن ذلك يناقض ما يرغب به العقل ويحثنا على عمله.

الخاتمة

أنا على يقين بأنك تمتلك أدوات فنية رائعة قادرة على تحقيق إستفادة من تغيرات الأسعار اليومية.. حاول على الأقل استخدام هذه الأدوات بشكل فعال بالرغم من الألم الذي يسببه هذا الصوت الداخلي الذي يولده العقل بلا توقف..

حاول إمتلاك حق الإختيار الصحيح بدلاً من الإختيار المريح في المرة القادمة.. أنت بنفسك قمت بإختيار التداول في هذا السوق المتذبذب ولم يجبرك أحد على ذلك.. قم بمتابعة هذا الخيار وإمتلك حق القرار الصحيح في كل مرة تحاول عمل أي شئ تجاه صفقاتك القادمة أو المفتوحة.

بالنسبة لي.. الحل كان أبسط مما تتصور وسأعطيك مثالاً واحداً فقط يمكنك تطبيقه على ما شئت من سيناريوهات قد تواجهك مستقبلاً..

هذا الحل يكمن في سؤال واحد فقط.. وهو ( كيف سيكون شعوري بعد إتخاذ القرار الحالي؟ )..

بالرغم من بساطة السؤال إلا أنه قادر على حملي على التفكير في عاقبة إتخاذ هذا القرار.. تخيل معي السيناريو التالي:

السعر حالياً اخترق مستوى مقاومة ويجب علي الآن تفعيل صفقة شراء..

الفكرة الحالية في رأسي هي (هل تذكر صفقة الأمس عندما قمت بالشراء بعد إختراق مستوى مقاومة ولكن اتضح بعد ذلك أنه كان إختراقاً كاذباً وعاد السعر للأسفل)

التصرف المريح في هذه الحالة (سأقوم بتجاهل هذه الصفقة كي لا أشعر بنفس المرارة والحسرة التي شعرت بها بالأمس) وهذا ما يفعله عادة المضارب العادي.

التصرف الصحيح في هذه الحالة (نعم هذا صحيح.. صفقة الأمس انتهت بخسارة والإشارة الفنية اليوم تشبه كثيراً صفقة الأمس.. ولكن لا يوجد علاقة بين الطريقة التي سيتحرك بها السعر اليوم وبين ما حدث بالأمس.. قد يكون هذا أيضاً اختراق كاذب وقد يكون اختراق حقيقي.. التصرف الصحيح هو أنني يجب على تفعيل هذه الصفقة لأن استيراتيجيتي تنص على تفعيل اي صفقة بعد اختراق مستوى مقاومة.. وهذا ما سيحدث بالضبط) وهذا ما سيفعله المضارب السوبر الذي يملك حق الإختيار.

لعلك قد انتبهت بأن نفس الفكرة السلبية دارت في عقول هؤلاء المضاربين ولكن المضارب السوبر إتخذ القرار الصحيح رفض الإستماع لصوت العقل بينما الآخر فضل القرار المريح ولم يقم بعمل أي شئ..

وهذا أهم ما يملكه المضارب السوبر على الإطلاق..

حق الإختيار الصحيح على الدوام..

بغض النظر عن النتائج وما يصاحب ذلك من ألم ذهني ونفسي..

السؤال الآن.. ماذا ستختار أنت في صفقتك القادمة؟