في الفيديو الاخير تحدثت عن المسؤولية وقت التداول وكيف أن الإشارة باليد إلى الجميع عند وقوع خطأ ما واستثناء انفسنا من هذا الخطأ في محاولة للتجرد والهروب من المسؤولية يسبب لنا توقف كامل عن التحسن والتطور والإزدهار..
في هذا المقال نكمل هذا الحديث ونشرح عن الفارق الضخم بين الخطأ والمسؤولية وكيف يتم الخلط بينهما على الدوام.. لذلك يجب علينا أولاً فهم المغالطة الكبرى والمعروفة بإسم مغالطة الخطأ والمسؤولية Responsibility/Fault Fallacy والتي تحدث عنها الكاتب المعروف مارك مانسون بإسهاب.
مغالطة الخطأ والمسؤولية Responsibility/Fault Fallacy
مالذي ستقوم بعمله لو خرجت من منزلك في الصباح الباكر قاصداً عملك وتفاجأت بأن أحدهم قد اصطدم بسيارتك المركونة منذ البارحة أمام المنزل وهذا الحادث سبب أضراراً كبيرة لجسم السيارة.. بعد الصدمة ستقوم بالنظر إلى السيارات الأخرى القريبة منها لعلك تجد هذا المجنون الذي اصطدم بهذا الشكل بسيارتك وهي بدون حركة ولكن لا تجد احداً هناك!
تقوم بسؤال بعض المارة والجيران ولكن لم يسمع أو يشهد أياً منهم هذا الحادث.. وسائق السيارة الأخرى لم يترك رقم هاتفه بل سارع بالهرب عندما قام بالاصطدام بسيارتك هذا الصباح أو ليلة البارحة..
السؤال الواضح الآن.. على من يقع هذا الخطأ في هذا الحادث.. بالتأكيد على سائق السيارة الأخرى خصوصاً إذا كنت قد ركنت سيارتك في المكان المخصص لها.. ولكن على من تقع مسؤولية التبليغ عن هذا الحادث.. والذهاب إلى ورش التقدير والصيانة واستئجار سيارة بديلة حتى ينتهي تصليح سيارتك والإتصال بزملائك في العمل وإخبارهم بأنك ستتأخر لأنك تحتاج لتقرير الحادث ووو..
كل هذه المسؤولية تقع على عاتقك انت بالرغم من أن هذا ليس خطأك انت.. أليس كذلك؟
هذا المثال البسيط يوضح لنا كيف أننا مسؤولون مسؤولية كاملة عن أمور كثيرة لا علاقة لنا بالخطأ الوارد بها.. وهذا يشبه لحد ما الأمور الغير مرغوبة التي تقع لنا في أسواق المال..
الخطأ والمسؤولية في تنفيذ ونتائج الصفقات
بالرغم من أنني أعلم بأنك تتفق معي تماماً في المثال السابق بأنك انت صاحب السيارة المسؤول والملزم بتصليح وصيانة ومتابعة سيارتك حتى مع عدم وجود أي خطأ من جهتك بعد حدوث هذا الحادث.. ولكن هل يمكنك تطبيق ذلك ايضاً في اسواق المال؟ الإجابة بشكل يشمل جميع المضاربين تقريباً – وأنا منهم – هي بالتأكيد لا..
نحن نقوم بتنفيذ صفقات شراء وبيع بناءاً على أمور كثيرة كالتحليل المالي والفني والتوصيات وغيرها.. ولكننا لا نشعر بضرورة تحمل مسؤولية هذه القرارات التي اتخذناها بأنفسنا.. الأسهل من ذلك هو تحميل جهة أخرى خطأ ما حدث في حركة الأسعار بدون أن نحرك ساكناً لإصلاح هذا الخطأ..
نحن نقوم بتحميل الخطأ على وسيط التداول والهوامير وهيئة سوق المال والبنوك المركزية والحكومات التي قامت بإعلانات خاصة بسياساتهم النقدية والمالية والف جهة أخرى كانت السبب في حدوث هذا التذبذب السعري وخسارتنا لهذه الصفقة.. أو ربما تعلقنا فيها لوقت غير معلوم..
وقد تكون إحدى هذه الجهات بالفعل هي السبب في حدوث هذا التغير في حركة السعر وخسارتنا او تعلقنا في هذه الصفقة او تلك.. ولكننا إتفقنا بأن الخطأ – حتى ولو لم يكن مصدره من جهتك – لا يعفيك من المسؤولية في تحمل وإصلاح هذا الخطأ.
فائدة تحمل المسؤولية وإصلاح الخطأ
هل تفضل أن تقوم بندب حظك على قرارات وحماقات مجلس إدارة شركة ما والتي كانت السبب الحقيقي وراء تدهور سعر السهم في السوق بعد أن قمت أنت بشراءه؟ أم أنك ستقوم بتحميل هذا الخطأ على مجلس الإدارة – وهو كذلك بالفعل – ولكنك ستقوم بالوقت ذاته ببذل كل الجهد الممكن لإصلاح هذا الخطأ؟ هل يقع هذا الإصلاح تحت خانة بيع الأسهم بخسارة حالية افضل من زيادة هذه الخسارة بهبوط السعر اكثر من ذلك.. أو يكون الإصلاح بمحاولات بناء مراكز شرائية جديدة كنوع من التعديل المعروف على سعر السهم.. أو أية طريقة أخرى تجدها مناسبة لهذا الموقف.
عندما نقوم بتحمل المسؤولية عما يحدث من حولنا بدون التركيز لفترة طويلة عن الجهة المسؤولة عن حدوث هذا الخطأ سنجد أنفسنا نفكر بالحلول فقط.. الشخص الذي يفكر في الجهة المسببة للخسارة يتحدث عن المشاكل فقط.
زوجتى هي السبب في حدوث هذا لي بسبب مشاكلها المستمرة.. مديري في العمل هو العامل الرئيسي وراء خسارتي للتحفيز الداخلي الذي كنت ابذله في هذه الشركة.. الحكومة والبلدية والجيران والقوانين وسوق المال والحظ وكل شئ في هذه الحياة هما السبب في تعاستي المستمرة (هل استطعت ايجاد حلول في هذه الفقرة؟!)
الخاصية الفريدة للتحليل وأسواق المال
ربما نكون قد اقتنعنا انا وانت بضرورة تحمل المسؤولية بغض النظر عن الجهة التي أخطأت في هذه المسألة.. ولكن الموضوع يتعقد اكثر عندما يكون هذا الخطأ وهذه المسؤولية متعلقة بحركة الأسعار وأسواق المال..
عندما تقوم بشراء سهم عند سعر 30 ريال فإن فرص هبوط السعر إلى 27 ريال تعادل تقريبا فرص صعود السعر الى مستوى 33 ريال.. أليس كذلك؟ إذا كنا نعلم مسبقاً بأن حركة السعر المستقبلية مستحيلة التوقع وبإن أي شئ ممكن أن يحدث.. إذاً تذبذب السعر في حدود 3 ريالات صعوداً وهبوطاً ليس بالأمر المستغرب حقاً في أسواق المال..
على نفس السياق.. عندما تقوم بشراء السهم عند وصوله لمستوى دعم واضح حالي.. فإن الفرص متساوية بالإرتداد الايجابي للأعلى او هبوطه وكسر مستوى الدعم الى الأسفل كذلك.. الشراء بسبب الاعتقاد بأن الدعم سيمنع السعر من الهبوط والبيع بسبب الاعتقاد بأن مستوى الدعم سيكسر ثم يحدث عكس ذلك ليس خطأ حقيقياً.. هذه المستويات قد تلعب دورها المتوقع ويحدث ارتدادات ايجابية ام قد تكسر وكأنها غير موجودة اصلاً.. بناءاً على القوى المتواجدة عند هذه المستويات..
إذاً نحن لا نستطيع بأن نقوم بإطلاق مصطلح ( خطأ ) على حركة السعر بعد تنفيذ الصفقة لأن هذه الأسعار تتحرك بناءاً على أوامر الشراء والبيع المستمرة وليس بسبب أننا نحلم كيف ستكون هذه الحركة السعرية القادمة..
ماهي الفائدة إذاً عندما تعلم الفارق بين الخطأ والمسؤولية.. ستعلم بأن معرفتك لسبب الهبوط وعكس اتجاه السعر ليس بالأهمية التي تعتقدها انت.. ما يهم حقاً هو تحمل المسؤولية مباشرة والعمل على إصلاح ما حدث عندما تحرك السعر بهذا الشكل..
ما ستفعله حيال الصفقة وإصلاح الصفقات ليس موضوع حديثنا اليوم لأن ظرف كل صفقة يختلف جذرياً عن الأخرى.. ما يهم هو هل سنقوم انا وانت بالتذمر والشكوى حول خيانة السوق لنا وتذبذب وانعكاس السعر بعد تنفيذنا لهذه الصفقات.. أم سنقوم بالتفريق بين الخطأ والمسؤولية وإتخاذ الخطوات المناسبة لإحتواء هذا الإنعكاس السعري الحالي ( بالمناسبة ، هذا الإحتواء يجب أن يكون جاهزاً قبل حتى تنفيذ الصفقة نفسها.. إلا إذا كنا نقوم بتنفيذ صفقات بدون وجود أية خطة طوارئ لإنعكاسات سعرية طبيعية ومتوقعة).
الخاتمة
لا يوجد هناك مؤامرات في أسواق المال..
لا يوجد تحالفات وخطط لجعل المتداول يخسر كل رأس ماله في صفقة واحدة..
لا يوجد خطط شيطانية لضرب وقف خسارة المتداولين على الدوام..
ما يوجد في أسواق المال هو أسعار تتحرك بناءاً على العرض والطلب ومضاربين مثلي ومثلك يقومون بقراءة هذه الحركات السعرية وإتخاذ قرارات بالشراء والبيع أو الإنتظار.. المحظوظ من هؤلاء المضاربين من يتحمل مسؤولية قراراته اليومية وصفقاته المستمرة..
في النهاية.. انا وانت من نقرر متى ندخل في السوق.. ونحن من نقرر حجم الصفقة وعدد الاسهم عند التنفيذ.. ونحن من نقرر متى نغلق الصفقة او نحتفظ ونتعلق بها.. ونحن من نقرر متى نقوم بالتعديل.. ونحن من نقرر التعبير عن تحليلنا للسوق والتوصية للآخرين.. ونحن من نقرر الأخذ بتوصيات الآخرين والعمل بها ايضاً..
بالمجمل نحن من نقرر كل شئ..
إذاً من العدل أن نضيف بعض الوعي إلى هذه المسؤولية التي تقع على عاتقنا ونتصرف دائماً كردة فعل لما يحدث في حركة السعر بدون وجود اجندا خاصة بنا نحاول غصب السوق – والمتداولين الآخرين – على القبول بها..
وبدون تحميل أي جهة الخطأ على ما حدث.. هناك حركة للسعر مربوطة بالعرض والطلب.. زيادة العرض او الطلب في أي وقت ليست خطأ أية جهة تعمل في السوق.. وفي الحقيقة لا تعتبر خطأ من الأساس..
تصرف على هذا النحو وستجد راحة وتناغم مع السوق لم تعهدها من قبل.. وهذا ليس من باب التفاؤل وإنكار الواقع.. بل على العكس هكذا يتصرف المتداول الواعي المسؤول عن كل قراراته.. وعن قرارات المضاربين الآخرين الذين يؤثرون بشكل مباشر في حركة السعر.
والسلام..
و هذا أحد عناصر تكوين استراتيجيه خاصه