الأربعاء , سبتمبر 27 2023

متعة الفشل في أسواق المال

قد يبدوا العنوان مضللاً بعض الشئ فالجميع بلا إستثناء لا يجد أي ( متعة ) في خسارة المال والفشل في أسواق المال وأتفق معكم تماماً في ذلك ، فمن هو ذلك العاقل الذي يسعد بخسارة أمواله في أسواق المال ، أو بأن يخرج من محاولات فاشلة بعد تجربة استيراتيجيات عدة ويفشل فيها كلها ، ويبدأ مرحلة جديدة من التعلم والتحليل ليجد الفشل مرة أخرى في انتظاره. وليصبح – يوماً بعد يوم – مقتنع بشده بصعوبة نجاحه في اسواق المال ، وبأن الفشل سيكون حليفه حتى نهاية عمره.

بدايةً ، يجب عليك أن تشعر بالسعادة إن كنت ممن يحققون فشلاً جديداً كل مرة في أسواق المال وذلك للأسباب المنطقية التالية:

الفشل معناه أنك ما زلت تحاول:

محاولاتك للتعلم وفشلك – حتى الآن – في تحقيق النجاح في أسواق المال معناه انك ما زلت تحاول فهم الطريقة ولم تيأس بعد ، انت في وضع افضل كثير من غيرك من المتداولين الذين جربوا النجاح السريع في اسواق المال وفشلوا وتركوا السوق بعد سنة واحدة او سنتين على الاكثر.

الأشخاص الذين لم يفشلوا في حياتهم – ويفخرون بذلك – هم أشخاص لم يجربوا أي شئ بعد ، ولذلك تجدهم دائماً يهدون النصائح الخطأ ، عندما تشتكي إليهم بأنك فشلت في تحقيق النجاح في أسواق المال فإن أول نصيحة تسمعها منهم هي (ولماذا لا تترك المضاربة بالسوق؟) ، هؤلاء الناس لا يجربون أي شئ ولا يعرفون معنى المحاولة والمثابرة لذلك نصائحهم تدل على خبراتهم المحدودة ، لا تستمع لهم وإستمر بمحاولاتك في ترتيب استيراتيجيتك وتحقيق اهدافك في اسواق المال.

ربما ، وأقول ربما أنه من المهم أن تعرف معنى الخسارة والفشل كي تعرف فعلاً من أنت ومما صنعت ، مايا انجيلو

الفشل معناه أنك متحرك ولست ثابت:

في كل مرة تفشل فيها تذكر بأن هذا الفشل ما كان ليصيبك لولا أنك تتحرك وتحاول ان تنجح ، انت افضل من اقرانك بكثير ممن يرفضون التغيير والمحاولة وقرروا بملئ إرادتهم الثبات في أماكنهم وعدم التحرك ، لذلك هم فقدوا لذه النجاح والفشل وقرروا الإستمرار في حياتهم بلا حراك. لا تجعل خوفك من الفشل يمنعك من متعة المشاركة والمحاولة ، أحياناً كثيرة نقف بلا حراك ونخشى التحرك والمحاولة لخوفنا من الفشل.

تعريف النجاح هو الخروج من فشل إلى فشل آخر بدون أن نخسر حماسنا ورؤيتنا ، وينستون تشرشل

الفشل معناه أنك اصبحت قريب من النجاح:

لو قمت بقلب صفحات حياة الأشخاص الذين غيروا مجرى التاريخ ومعظم الناجحين الذين تسمع عنهم وعن منتجاتهم وافكارهم كل يوم ستجد العامل المشترك بين هؤلاء الاشخاص والاكثر تكراراً هو كثرة المحاولات الفاشلة التي قاموا بها في حياتهم قبل ان ينجحوا ، ولذلك قام الكثير بتعريف الفشل على أنه الخطوة الكبرى التي تقربك من النجاح ، وهو نفس التعريف الذي استخدمه توماس اديسون عندما صنف الـ 10,000 محاولة الفاشلة لصنع المصباح الكهربائي بأنها 10,000 محاولة قربته كثيراً من صنع المصباح الكهربائي ، وبأنه اصبح يعرف 10,000 طريقة مختلفة لا تؤدي لصنع مصباح كهربائي

لو لم يكن هناك أي خوف من الفشل ، لما كان هناك أي متعة في النجاح ، بول تيرنر

متعة المحاولة مرة أخرى وعدم الإستسلام واليأس صفة مشتركة بين كل الأشخاص الذين حققوا نجاحات باهرة في حياتهم ، ولذلك لو قمنا بإستعراض الأسباب التي تدفع المضاربين لليأس من النجاح نجد الأسباب أدناه:

الفشل صفة للعمل وليس للشخص:

هذا الأمر مهم جداً ، الكثير من الأشخاص يقومون بشكل خاطئ بوصف الفشل على أنه هويتهم الرسمية وليس صفة مؤقتة للعمل الذين قاموا به ، فعلى سبيل المثال المضارب الذي لم يحقق النجاح بعد لا تجده يتحدث بطريقة صحيحة عن هذا الأمر وتجده ينسب الأمر إلى شخصيته هو ، لذلك يجب أن ينتبه الشخص لكلماته وعباراته ، على سبيل المثال من الأفضل استخدام عبارات كما يلي:

  1. الطريقة التي اعمل عليها غير ناجحة بشكل كامل
  2. الإستيراتيجية التي استخدمها للتحليل الفني يجب إدخال بعض التعديلات عليها
  3. الإطار الزمني الذي استخدمه للتحليل لا يناسب شخصيتي ووقتي وأشغالي

بهذا الإٍسلوب انت قمت بشكل إيجابي بتشخيص سبب تأخر النجاح والفشل الحالي في الطريقة التي تستخدمها وليس في شخصيتك انت ، وهي بالطبع افضل من عبارات خاطئة مثل انا فاشل ، انا لا اصلح لهذا العمل ، انا لا املك شهادات جامعية في الإقتصاد والمال ، الخ…

الفشل مؤشر مهم جداً لتعديل الأخطاء:

طبعاً من المهم جداً جداً في هذا المقال عدم فهم المحتوى على أنه يجب عليك التعايش مع الفشل بدون العمل بالأسباب ، ولعلك سمعت سابقاً بأن الفشل هو الأمر الوحيد الذي لا تحتاج إلى فعل شئ لتحصل عليه ، نحن نتحدث في هذا المقال عن فشل من نوع آخر ، نحن نتحدث عن فشل المحاولة والتكرار ومحاولة الوصول لأفضل طريقة يمكن التعامل فيها مع اسواق المال. لذلك في هذا المقال انا لا اتحدث عن الاشخاص الذين لا يبذلون أي جهد أو تعب لمحاولة التعلم أو لإستخدام إستيراتيجيات جديدة أو لقراءة كتب أو للتزود من طرق التعلم التحليل سواءاً المالي او الفني او النفسي. هؤلاء الأشخاص – الكسالى – ليسوا بالتأكيد مقصودين في أي جزء من أجزاء هذا المقال.

أنا أتحدث عن الأشخاص الذين قرروا وإختاروا وإلتزموا بأن ينجحوا في هذا الأمر مهما كلف الأمر ، مهما إحتاج من قراءة كتب او حضور دورات او الجلوس لآلاف الساعات امام الشاشة لمراجعة الشارتات القديمة وتصنيف النماذج والشموع وخطوط الترند وغيرها ، انا اتحدث عن الأشخاص الذين يقومون بمراجعة كل صفقة بعد الإغلاق ومحاولة فهم مالذي حدث بشكل خاطئ أدى إلى الخسارة ، أتحدث عن الأشخاص الذين يتطورون يوماً بعد يوم ولا يقبلون أبداً بفكرة وصولهم للقمة ، بل تواضعهم يساعدهم لإدراك بأن هذا الطريق طويل ولن يستطيع احد ان يحترفه بشكل كامل ، وبأنه يجب عليه تطوير نفسه كل يوم ليحسن من عمله.

لذلك يعتبر فشلك في كل مرة مؤشر مهم يساعدك على تعديل أخطاءك وتلافيها في المستقبل ، والوصول إلى مستوى يجعلك تشعر فيه بالرضا عن نفسك وعن أداؤك في السوق. ويظهر ذلك جلياً على أداء محفظتك الإستثمارية.

خاتمة

في كل مرة يسألني فيها أحد المتدربين عن نصيحة يعمل بها بعد ان انهينا دورة تدريبية في التحليل الفني أخبره بأن يجهز نفسه للفشل ، وليس الفشل فقط بل الفشل المتكرر الذي يبدوا أنه سمة مشتركة في اسواق المال ، ربما اصبح من الصعب علي أن أصدق بأن شخصاً ما نجح في أول مرة دخل فيها في هذا السوق ، او بعد حضور اول دورة تدريبية او بعد ان انهى قراءة اول كتاب عن التحليل الفني ، هذا السوق (أو البورصة) تعد فعلاً من اصعب الأمور التي يمكن النجاح فيها بسهولة  ، لذا حاول ان تستعد ذهنياً ونفسياً لهذا الأمر ، ولا بد لك من أن تعي بشكل كامل بأن النجاح في هذا السوق – مثل النجاح في أي أمر من أمور الحياة – لا بد من أن يسبقه فشل مرير ومتكرر ، لا بد من أن يسبقه يأس وقنوط وحنق وغضب وحزن وهم وغم ، لا بد من أن يسبق ذلك النجاح ساعات طويلة جداً تشعر فيها بالوحدة وانت تراجع استيراتيجيتك ويتملكك الشك والريبة ان كنت ستفلح في هذا الأمر أم لا ، ساعات طويلة تفكر فيها إن كنت حقاً تقوم بالأمر الصحيح أو إنك تضيع عمرك ووقتك في أمر لا تعرف ما سيجره عليك لاحقاً.

أياً كان تفكيرك وإحساسك ومشاعرك في هذه اللحظة ، وأياً كان الفشل والمرارة التي تتجرعها في هذا السوق ، حاول فقط ان تستمتع بهذه اللحظات وبهذا (الفشل) ، وتذكر بأن النجاح هو نهاية المثابرة والإصرار ، وكما يقال فإن المتعة في الرحلة وليست في الوجهة .

فلتكن متعتك في رحلتك في هذا السوق..

ولتكن متعتك في التعلم والمحاولة..

وفي الفشل..

وفي النجاح الذي يليه..

5 2 votes
Article Rating

عن فيصل السوادي

فيصل السوادي ، محلل فني معتمد CFTe وعضو بالجمعية العالمية للتحليل الفني IFTA Organization مدرب ومحاضر لاستيراتيجيات السلوك السعري و أقوم بتقديم العديد من الدورات التدريبية في التحليل الفني والإدارة المالية والحالة الذهنية والنفسية الصحيحة للتداول في أسواق المال.. للوصول الى كل نشاطات المدرب التدريبية قم بزيارة الرابط https://bettertrend.net/trainers/details/11

شاهد أيضاً

إبدأ بالتشكيك بكل ما تعرفه عن التحليل والتداول في أسواق المال

  اكتشفت مؤخراً بأن جميع ما أقوم به من خلال نشر هذه المقالات ومن خلال …

Subscribe
نبّهني عن
guest

4 تعليقات
الأكثر تصويتاً
الأحدث الأقدم
Inline Feedbacks
View all comments
mohammed
mohammed
3 سنوات

جزاك الله خير احاول اكتب الي يجي من قلبي مشان ما تظن انه ما حدى يستفاد من هالمواضيع لقلة التعليقات , الحقيقة والله انه كل كلمة من هالكلمات فائدتها عندي بقيمة الذهب

ضاري الشمري
6 سنوات

انا أومن بنظرية ” المحاولة والخطأ ” شكرا لك استاذنا أبو عبدالله

عبدالواحد
عبدالواحد
1 سنة

أنا أفشل للمرة الثالث في هدا المجال ،ولا كن لم أفقد الأمل ،لايأس مع حياة ولاحياة مع يأس

قم بالإطلاع على نشرة الاسواق اليومية الجديدةعلى هذا الرابط
4
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x