الأربعاء , سبتمبر 27 2023

لماذا يجب عليك عدم التوقف عن المضاربة حتى في حالة الخسائر المتتالية

لو حدث انك اتصلت بي هاتفياً لتخبرني بأنك متواجد حالياً في إحدى صالات لاس فيجاس للقمار – لا سمح الله بالطبع – واخبرتني بأنك جربت حظك في لعبة او اثنتين وخسرت وترغب بأخذ مشورة سريعة إن كان يجب عليك أن تكمل الليلة محاولاً استرجاع ما خسرت او ان تتوقف عن اللعب فسأقوم بإعطائك نصيحة سريعة جداً وأغلق الهاتف إن لم تستمع للنصيحة وهي أن ترحل على الفور وتعدني بأنك لن تقوم بذلك مرة أخرى ، لأنه وبخلاف أن القمار محرم صراحة في الاسلام إلا أنه لا يمكنك – ولن يمكنك – تحقيق ارباح بإتباع هذا الإسلوب.. ولأن هذا الموضوع يحتاج لشرح طويل جداً قد اخصص له مقالات مستقلة قادمة بإذن الله.. لكن بالنسبة لما ارغب بأن احدثك به في هذا المقال سأقوم بالتركيز على مبدأ مشابه للمثال الذي بدأنا به لكن مع بعض الإختلافات البسيطة.. كل ما ارغب منك بعمله هو ان تقرأ المقال أولاً وتفهمه بشكل كامل قبل ان تعترض على الفكرة التي ارغب بطرحها عليك.. وبسم الله نبدأ.

المثال الذي ذكرته لك بالأعلى هو أنك يجب ان ترحل على الفور ولا تستمر بالمقامرة لأنه وبخلاف تحريمه إلا أنه يحمل مبدأ رياضي ايضاً وهو انك كلما لعبت اكثر كلما خسرت اكثر.. وهذا ينطبق على جميع انواع القمار ومنها ايضاً ما تقوم به القنوات التلفزيونية التي تطلب من المشاهدين الاشتراك بإرسال رسائل نصية مدفوعة ليتم دخولهم بالسحب ، إمكانية ربحك في مسابقة كهذه تعتبر فعلياً خسارة للمال لأنه يمكنك ان تربح بنسبة 0.00000001 بالمائة في كل مرة.. أما بالنسبة للمضاربة بأسواق المال.. فيجب عليك تحت أي ظرف من الظروف وخصوصاً عندما تواجه خسائر متتالية بالصفقات ألا تتوقف عن المضاربة أبداً.. بل يجب عليك ان تستمر بتفعيل الصفقات عندما تتلائم مع استيراتيجية دخولك.. ولذلك لأسباب نفسية ورياضية اشرحها لك كالآتي:

1- التوقف عن التداول سيقوم بتعطيلك سيكلوجياً وذهنياً:

عندما تقوم بخسارة ست او سبع صفقات متتالية وهذا أمر وارد جداً حتى مع اعتى المحترفين في اسواق المال (وايضاً سأستعرض الاسباب في مقالات قادمة بإذن الله).. وتقوم بالتفكير بأنك يجب ان تتوقف عن المضاربة لبعض الوقت.. ستقوم بتثبيت افكار سلبية في عقلك انت في أمس الحاجة للتخلي عنها.. مثال على ذلك قد تبدأ بالشك بأن استيراتيجيتك التي تثق فيها وتستخدمها لتنفيذ الصفقات واختيار مستويات الوقف والارباح لم تعد مجدية.. ستعتقد بأن ارباحك للشهر الماضي كانت من محض الصدفة فقط.. ستقوم بتوليد افكار جديدة بأن نجاحاتك في السابق كانت مؤقتة وانك بالشكل العام متداول خاسر في السوق ، وهكذا..

دعني اوضح لك أمر هام جداً مع بعض الأمثلة حتى تتضح الفكرة.. لا يوجد أي استيراتيجية في العالم تربح طوال الوقت.. ولو انني لا ارغب بالتشعب في هذا الموضوع اكثر فدعني اخبرك بأمر آخر قد يدهشك تماماً.. الكثير من المضاربين المحترفين يقومون بتعديل وتنقيح استيراتيجياتهم الخاصة بهم أملاً في أن يصل معدل نجاح الصفقات الى رقم فلكي وهو 55% من مجمل الصفقات.. يحلمون بالحصول على رقم كهذا لأنهم يملكون إدارة مالية ممتازة وحجم صفقات مناسب لكل صفقة يمكنهم من تحقيق ارباح طائلة حتى لو تناقص عدد الصفقات الرابحة نفسه ، لذلك الكل معرض لخسارة صفقات وقد تكون صفقات متتالية ايضاً كما سنشاهد في المثال التالي لذلك يجب ان لا يكون ذلك سبباً منك للتوقف او للتشكيك في استيراتيجيتك واسلوبك..

2- التوقف عن التداول سيقوم بتعطيلك رياضياً وإحصائياً:

بتوقفك عن التداول بعد خسارة عدة صفقات متتالية ستكون قد انتهكت قوانين رياضية واضحة ليست في صالحك على الإطلاق.. على سبيل المثال.. لو انك كنت – وأتمنى انك كذلك – تقوم في نهاية كل شهر بمراجعة حسابك وصفقاتك وحساب الصفقات الرابحة والخاسرة ومعدل الربح للخسارة الخ.. ووجدت انك على تربح على سبيل المثال 60% من صفقاتك ( وهذه نسبة تعتبر ضخمة بالمناسبة ) إذاً فيجب ان تعلم بشكل بديهي بأنك ستخسر 40% من صفقاتك ايضاً.. ولكن مالاتعلمه انت او ربما لتحتاج لتذكير في هذا الأمر هو أنه لا يوجد توزيع واضح وثابت للصفقات الرابحة والخاسرة في جدول الترتيب ، شاهد المثال أدناه لفهم الفكرة بشكل اوضح:

لنفترض بأنك تقوم بإجراء ما معدله 25 صفقة في الشهر ، ونسبة الصفقات الرابحة هو 60% أي 15 صفقة رابحة و 10 صفقات خاسرة.. وهذا سهل طريقة حسابه.. ولكن مالاتعلمه – ولن تستطيع أن تعلمه حتى لو حاولت – هو طريقة ترتيب هذه الصفقات الرابحة والخاسرة.. لنبدأ مع الصفقات الخاسرة أولاً.. النسبة أعلاه تشير الى احتمالية خسارة 10 صفقات من اصل 25 صفقة تم تنفيذها خلال شهر واحد.. والآن لنفترض بأن أول عشر صفقات كانت خاسرة.. بتوقفك عن التداول بسبب هذه السلسلة الطويلة والمزعجة من الصفقات الخاسرة ستكون قد أضعت على نفسك – رياضياً وإحصائياً – 15 صفقة رابحة تالية بناءاً على معدلاتك السابقة.. وهذا بحد ذاته كافي لإلحاق ضرر شديد بحسابك الإستثماري بسبب شكوكك وارتيابك بعد سلسلة من الخسائر..

3- التوقف عن التداول سيقوم ربما بتخطي الصفقات الرابحة والتركيز على الصفقات الخاسرة فقط:

هذا السبب مهم جداً لدرجة أنني أشعر بأنني لن اكون قادراً على ايفاءه حقه من الشرح.. ولكن لو استخدمنا النسبة في النقطة السابقة بأن معدل ارباحك هو 60% من مجمل الصفقات وان عدد الصفقات الرابحة هو 15 والخاسرة 10 من كل 25 صفقة قمت بتنفيذها.. إذاً لنقم بدراسة الصورة أدناه والتركيز على آثار التوقف عن التداول..

كما ترى في الصورة أعلاه.. بداية الشهر لم تكن جيدة بما يكفي بالرغم من أنك ملتزم بشكل كامل باستيراتيجيتك واسلوبك في التداول.. ولكن كما شرحنا سابقاً فلا يوجد استيراتيجية تربح طوال الوقت.. وبسبب التوزيع العشوائي للصفقات الرابحة  والخاسرة فإنك خسرت اربع صفقات متتالية.. هذا الأمر جعلك تشكك في طريقتك واسلوبك وزاد من ترددك وريبتك.. الأمر الذي جعلك تراقب الصفقة رقم 01 و 02 بدون أن تقوم فعلياً بتفعيل الصفقة لأن إشارة الدخول كانت مشابهه للصفقات الاربع الخاسرة السابقة.. ولكن هذه الصفقات رقم 01 و 02 انتهت بربح ولكنك لم تستفد منها بسبب عدم تفعيل الصفقات عندما ظهرت امامك على الشارت.

بعد ذلك قمت بلوم نفسك على ترددك وقررت العودة مرة أخرى للتداول ولكن الصفقة رقم 5 و 6 كانت من ضمن الصفقات الخاسرة.. وهذا ما جعلك تتردد مرة أخرى في تفعيل الصفقة رقم 03 و 04 والتي كانت ايجابية ولكنك للمرة الثانية لم تستفد من ذلك بسبب عدم تفعيل هذه الصفقات.. بعد هذا كله قمت بتفعيل الصفقة رقم 7 و 8 ولكنهم انتهوا بخسارة!!!

الآن.. وبدون ان نناقش الأذى النفسي والذهني الذي قد تتعرض له بعد هذه التجربة.. دعنا نقوم بحساب أداؤك رياضياً فقط.. المفترض انك قد ربحت 4 صفقات وخسرت 8 صفقات من اصل 12 صفقة وهذا معناه 66% صفقات خاسرة و 33% صفقات رابحة.. ولأنك تقوم بإجراء ما معدله 25 صفقة شهرياً فمن المحتمل بشكل كبير بأنك وحتى تصل لمعدل صفقاتك الشهري المكون من 25 صفقة ان تتغير نسبة نجاح الصفقات الرابحة والخاسرة لصالحك.. ولكن بعد ترددك في تفعيل الصفقات رقم 01 و 02 و 03 و 04 فإنك غيرت من عدد الصفقات المنفذه من 12 الى 8 فقط.. ولأننا لا نعلم – ولن نعلم ابداً – أي من الصفقات ستكون رابحة وايها ستكون خاسرة في الوقت الذي نقوم فيه بتنفيذ صفقة جديدة فإنك غيرت نسبة نجاح صفقاتك من 33% الى صفر.. وقمت بتغيير نسبة الصفقات الخاسرة من 66% الى 100%..

اعتقد بأن أول ما سيجول في خاطرك بعد المرور بتجربة كهذه – والتي يمر فيها المتداولين بشكل يومي في اسواق المال – هو الشعور بالحسرة والألم على ما قمت به من تردد وشك وحيرة.. ولكن عقلك سيقوم بسرد بعض الأفكار الوهمية عليك والتي قد تصدقها بداعي تخفيف الألم وهي بلوم السوق على هذه النتائج.. وبأن السوق يرغب في خسارتك بشكل شخصي.. وبأنك غير محظوظ انك تقوم بتنفيذ صفقات خاسرة ولا تقوم بتنفيذ صفقات رابحة عندما تظهر الصفقة امامك ، ولكن الأمر مغاير تماماً لما تفكر به انت.. السبب في هذه النتائج السلبية هو افكارك انت وافعالك انت.. انت من قمت بتشويه نتائجك بعد ان توقفت عن التداول للحظات بعد سلسلة من الخسائر.. وهو ما أثر بشكل واضح في الشكل الإجمالي لكشف الحساب..

4- التحسن يأتي ونحن نتحرك ، وليس بوقوفنا ساكنين:

هذه الفكرة قد تبدوا غربية بعض الشئ بالنسبة لك ولكنها منطقية تماماً.. التحسن في أي شئ يأتي ونحن نقوم به عن طريق المحاولة وتصحيح الخطأ وليس فقط بالتفكير والتخطيط له ونحن واقفين في اماكننا بدون حركة.. تعلم قيادة السيارة يحدث ونحن نقود السيارة فعلاً وليس فقط بجلوسنا خلف المقود بدون ان نتحرك خطوة واحدة للأمام.. جلوسك وثباتك على دراجة هوائية او نارية يحدث والدراجة تسير وليست وهي واقفة في مكانها.. لذلك عندما نقف بالدراجة بدون حركة نكون مجبرين على الاستناد على الارض بإحدى اقدامنا.. نحن نتعلم السباحة ونحن داخل حوض السباحة فعلياً وليس بالوقوف خارجه والاستماع لمدرب عن كيفية حركة الاذرعة والقدمين..

وهكذا بالنسبة للتداول في السوق.. نحن نقوم بتصحيح الأخطاء وتحسين الاستيراتيجيات ونحن نتداول وليس فقط بجلوسنا امام الشاشات بدون ان نشارك في هذه الحركات السعرية الصاعدة والهابطة.. في الكثير من الأحيان يأتي الثبات والاستقرار والتحرك والتطور ايضاً ونحن نتحرك وليس ونحن نتأمل ما يحدث.. أو ما سيحدث..

الختام:

في بعض الأحيان قد ترغب بأخذ بعض الوقت للاستجمام ومراجعة الخطط والترتيبات الخاصة بالتداول وقد تبتعد بعض الشئ عن السوق وتذبذباته وقد يكون هذا مقبولاً نوعاً ما.. ولكن ماذا لو كان التداول بالنسبة لك هو الاستجمام الحقيقي الذي يشعرك بالراحة بغض النظر عن نتائجه.. ماذا لو كان الشعور الذي يراودك عندما تقوم بتنفيذ صفقة ما وتراقب الاسعار وهي تسير لصالحك تارة وضد توقعاتك تارة أخرى هو الادرينالين الذي تحتاج اليه لتبقى مركزاً ونشيطاً في نفس الوقت.. ماذا لو كان بقاؤك للتصحيح والتحسين والتطوير هو الأمر الذي سيوصلك في نهاية المشوار للحلم الذي ترغب بتحقيقه..

القرار يبقى خاص بك انت وحدك ولا يمليه عليك احد.. ولكن هل بإبتعادك عن التداول فعلياً لبعض الوقت سيقوم هذا من تحسين أداؤك ونظرتك للسوق عندما تعود مرة أخرى.. انت وحدك من يستطيع الإجابة على هذا التساؤل..

4 8 votes
Article Rating

عن فيصل السوادي

فيصل السوادي ، محلل فني معتمد CFTe وعضو بالجمعية العالمية للتحليل الفني IFTA Organization مدرب ومحاضر لاستيراتيجيات السلوك السعري و أقوم بتقديم العديد من الدورات التدريبية في التحليل الفني والإدارة المالية والحالة الذهنية والنفسية الصحيحة للتداول في أسواق المال.. للوصول الى كل نشاطات المدرب التدريبية قم بزيارة الرابط https://bettertrend.net/trainers/details/11

شاهد أيضاً

على من تقع المسؤولية عند خسارة مضارب أو تعلقه بصفقة جديدة في السوق؟

  في الفيديو الاخير تحدثت عن المسؤولية وقت التداول وكيف أن الإشارة باليد إلى الجميع …

Subscribe
نبّهني عن
guest

9 تعليقات
الأكثر تصويتاً
الأحدث الأقدم
Inline Feedbacks
View all comments
محمد رمزي الجراد
محمد رمزي الجراد
5 سنوات

شكرا على المقال الرائع الذي يعيد المضارب لحلبة المصارعة وكله ثقة بأن النصر صبر ساعة وأن الكنز خلف الجدار وليس بيننا وبينه إلا الإرادة والتصميم على الفوز بأداء جيد.

محمد
محمد
5 سنوات

حقيقة مقال يعالج النفسية الشكر الموصول لك أخي أتمنى أن يرخي بضلإله علي

ابو ندى
ابو ندى
5 سنوات

شكرا استاذ فيصل استمتع كثيرا بقراءة المقال اتمنى ان يكون فيديو يشرح بشكل اكثر و شكرا

عبد الصمد الجزائري
5 سنوات

الله يجازيك خير اخ فيصل بعث فينا روح الاستمرار ولله بعد فشل طويل

خالد ابراهيم
خالد ابراهيم
5 سنوات

مقال رائع مليء بالأفكار البناءه ،،،،،،،،،،،،، أنت شخص جميل

ابراهيم العبدالله
5 سنوات

عندما تقوم بخسارة ست او سبع صفقات متتالية وهذا أمر وارد جداً حتى مع اعتى المحترفين في اسواق المال …اعطاني شئ من العزاء لصفقات هذا الشهر.12
مقال جميل حفظك الله

جواد
جواد
3 سنوات

جميل من انسان رائع

Dr Ramy
Dr Ramy
1 سنة

جزاكم الله خيرا
تعالج ما نعانى منه تماما

قم بالإطلاع على نشرة الاسواق اليومية الجديدةعلى هذا الرابط
9
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x