واحدة من أشهر المقولات في وول ستريت هي “Cut your losses and let your profit run” وهي التي قمت بترجمتها بشكل أتمنى أن يكون مفهوم في عنوان هذا المقال “اقطع خسائرك بسرعة ودع أرباحك تتحرك”.
في البداية سأشرح لك معنى هذه المقولة ثم سنعرض الأسباب السيكلوجية التي تمنعنا من تطبيق هذه المقولة في الأسواق المالية وبعد ذلك نختم إن شاء الله بطرق قد تساعدك للتكيف مع التعامل مع الأرباح العائمة في حسابك.
البداية: المعنى التطبيقي لهذه المقولة
المقصود بهذه المقولة الشهيرة في عالم الأوساط المالية هي أن تقوم بتحجيم خسائرك أو الخروج منها وهي صغيرة وأن تدع أرباحك تتحرك للأعلى والأفضل.. على سبيل المثال عندما تكون في صفقة شراء للسهم اكس عند سعر 22 ريال ونقطة دخولك الأساسية كانت 20 ريالا.. فلا يوجد داعي للإستعجال بالخروج من هذه الصفقة الرابحة مع وجود احتمالات بإستكمال هذه المسيرة الإيجابية للأعلى..
هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنك معها تطبيق ما يسمى بـ ( ركوب الموجات ) والإستفادة من تحرك السعر في إتجاه واحد لفترة طويلة.. كم هي عدد المرات التي قمت فيها بإغلاق صفقة رابحة وشعرت بالحسرة على ذلك بعد أن شاهدت السعر تحرك لمسافة اكبر في نفس الإتجاه.. الإستعجال في إغلاق الصفقات الرابحة لتأكيد الربح في المحفظة والإنتظار لفترات طويلة على الصفقات الخاسرة هي التركيبة السحرية لخسارة الكثير من المتداولين.
تخيل معي السيناريو أدناه والذي سأقوم بإرفاق صورة معه لتوضيح الفكرة.. في شهر اكتوبر 2019 كان مجموع الصفقات التي قمت بإغلاقها 4 صفقات.. واحدة رابحة وواحدة تعادل واثنتين انتهت بخسارة.. في كل هذه الصفقات قمت بإنتظار السعر أن يتحرك للأعلى ولكن ذلك لم يحدث إلا في صفقة واحدة فقط تمثل 25% من مجموع الصفقات ككل..

كما شاهدنا في الصفقة الأولى والثانية التي انتهت الصفقات بخسارة بالرغم من أنها تحركت في الإتجاه الذي توقعته أنت مسبقاً.. هذا بالتأكيد سيصيبك بالإحباط وستتمنى لو أنك قمت بإغلاق الصفقة بربح قليل افضل من انعكاس السعر ضدك وهذا مفهوم.. لنكمل الأمثلة أولاً وسنتحدث عن هذه النقطة لاحقاً.

في هذه الصفقة الثالثة السعر استمر بالتحرك قريب من نقطة الدخول بدون وجود زخم يفيد بالإتجاه القادم الصاعد لذلك قمت بإغلاق الصفقة بعد فترة وجيزة عند نقطة الدخول بدون خسارة للصفقة.

واحدة فقط من هذه الصفقات الأربع حققت الربح ووصلت للمستوى المستهدف الذي يعادل ثلاثة اضعاف منطقة الخسارة للصفقة.. دعنا نشاهد الجدول أدناه لهذه الصفقات الأربع.

في هذا المثال الإفتراضي نشاهد أننا حتى مع ربحنا لصفقة واحدة من أصل أربع صفقات بعد أن تركنا الصفقة تتحرك بدون إغلاقها بسرعة كانت هذه الصفقة كافية لإنهاء الشهر بتحقيق ربح.
ولكن يبقى السؤال.. هل هناك ضمان على ذلك؟ هل هناك ضمان أن بعض الصفقات قد تتحرك لفترة طويلة في الإتجاه الذي توقعناه مسبقاً؟
بالتأكيد لا.. قد تتحرك كل الصفقات في الإتجاه الذي توقعته مسبقاً ثم ينعكس السعر.. ولكن لو لم تقم بإنتظار تحقيق الهدف وصعود السعر للأعلى فلن تتمكن من تحقيق ارباح عاليه في الصفقات الرابحة مقارنة بالخسائر في الصفقات الخاسرة.
لماذا لا نستطيع الانتظار عندما تكون الصفقات رابحة؟
لماذا نستطيع أن نصبر على صفقاتنا الخاسرة لفترة طويلة ولا نستطيع الانتظار لساعات – واحيانا لدقائق – عندما تكون الصفقة رابحة؟ الإجابة على ذلك اسهل مما تتصور..
عندما تفكر إغلاق صفقة خاسرة فأنت تعلم أن التغير الوحيد هو خسارة عائمة إلى خسارة مؤكدة ( وهذا أمر لا يرغب به احد بالتأكيد ).. ولكن عندما تقوم بإغلاق صفقة رابحة فأنت تعلم بأن التغير سيكون من ربح عائم إلى ربح مؤكد ( وهذا أمر الكل يتمناه بالطبع ).. ولكن هناك أمور سيكلوجية اكثر من ذلك بكثير.. على سبيل المثال:
عقولنا تتذكر الصفقات الخاسرة وتعيد تذكيرنا بها بإستمرار.. لذلك عند وجود صفقة رابحة فإن العقل يحثك بشكل مستمر لتغلق الصفقة ( من باب التغيير ) وحتى لا تكون صفقاتك كلها خاسرة.
عقولنا ايضاً تعرف مقدار الألم الذي سنشعر به لو تغير الوضع الحالي من ( ربح عائم ) إلى ( خسارة عائمة ) ولذلك ستطلب منك بشكل عنيف لتغلق الصفقة مبكراً.. وهذا الأمر لا يهم العقل كثيراً إن كان هذا التصرف صحيح أم لا.. ما يهم هو الرجوع لحالة الإستقرار عند إغلاق الصفقة.
خوفنا المستمر من مسيرة السعر عكس إتجاه الربح.. ففي حال الشراء لن نستطيع التمييز بين التصحيح للسعر الطبيعي وانعكاس السعر بالكامل.. لذلك نقوم بإعتبار أي نقطة تسير عكس اتجاه الصفقة بمثابة انعكاس حقيقي للسعر.
رغبتنا العارمة بإثبات جدارتنا للآخرين – وأحيانا لأنفسنا – عندما نقوم بإغلاق صفقة رابحة لأن هذا سيجعل الربح مؤكد في الحساب بغض النظر عن حجم هذا الربح.. كيف سيكون شعورنا عندما ننتظر على صفقة رابحة ثم ينعكس السعر ويعود لنقطة الدخول بدون تسجيل هذا الربح وتأكيده بإغلاق الصفقة.
ربط العقل للتجربة الحالية بتجارب سابقة لا علاقة لها أبداً بما يحدث الآن.. كأن تسمع حديث داخلي من عقلك يذكرك فيه كيف كان شعورك في الصفقة السابقة اكس عندما لم تقم بإغلاق الصفقة مبكراً وحدث الإنعكاس ( أو الإنهيار ) في السوق.. ولذلك بالتأكيد ستجد أن إغلاق الصفقة مبكراً يقيك من هذه المآسي التي قد لا تحدث فعلاً.
الخوف من المستقبل.. مثل خوفنا من عدم إغلاق الصفقة قبل نهاية التداول لهذا اليوم او قبل عطلة نهاية الاسبوع.. لأننا لا نعلم ما قد يحدث بعد الإغلاق من أمور سلبية ( وما اكثرها في عقولنا ) وكيف سيكون تأثير ذلك على السوق عند الإفتتاح من فجوات هابطة إلى آخره.
أنا اعلم كل ذلك.. ولكن
أنا أشعر بالأسى لأنني مازلت أشعر بالخوف من احتفاظ صفقة رابحة ولكن حاولت عدة مرات أن احتفظ بصفقة رابحة ولم استطع.. فما الحل؟
دعني أخبرك بهذا السر اتفقنا.. قد تستمر بالتداول لعشرين سنة قادمة وستستمر بالشعور بالخوف.. أنا لم اطالبك في هذا المقال بالتخلص من الخوف عند وجود ربح عائم.. انا اطلب منك أن تلاحظ هذا الخوف ولكن تستمر في الصفقة على أية حال..
أي أمر ستقوم بتنفيذه وتكون نتائجه جيدة لك ستشعر معه بالخوف وهذا أمر طبيعي جداً.. ولكن أن يتمكن منك الخوف ويمنعك من التداول بشكل سلس ومربح فستكون في هذه الحالة تحت رحمة هذا الخوف ولن تستطيع الإفلات من هذا الشعور إن لم تحاول على الأقل.
الخاتمة:
تحدثت في مقال سابق بأن اصعب استيراتيجية يمكن لمضارب اتباعها هي ملاحقة الترند وذلك لمعرفتي بصعوبة انتظار صفقة رابحة وعدم اغلاقها على الفور.. كثيراً ما اسمع هذه الجملة من مضاربين في السوق عندما يقولون هل تعلم بأنني كنت ارغب بشراء السهم اكس عندما كان سعره 15 ريال قبل ستة اشهر.. هل تعلم كم سعره اليوم؟ 25 ريال!!
ولكنني أقوم بتوجيه هذا السؤال مباشرة لهذا المضارب.. هل لو قمت بشراء هذا السهم عند سعر 15 ريال.. هل كنت ستنتظر حتى يصل الى 25 ريال؟ اعتقد وبشكل كبير انك لو قمت بشراء السهم في تلك الفترة فإنك كنت ستبيعه عند سعر 15.20 ريال وستكون سعيداً جداً بذلك!
المضارب السريع الذي يعمل بالسكالبنج يتحول الى مستثمر طويل الأجل عندما يقوم بالشراء وينعكس السعر مباشرة وقد يستمر في نفس السهم لسنوات.. تخيل معي لو استطعت لأول مرة ربما في حياتك ان تشتري في سهم ويبدأ بالصعود وتنتظر عليه بدون اغلاقه لمدة سنة او سنتين او اكثر.. وتكون نقطة دخولك في السهم جيدة ويستمر السهم في ترند صاعد ويكون دورك فقط هو مراقبة اشارات انعكاس على السعر ( واقصد بذلك اشارات انعكاس حقيقية ) ثم تلاحظ ان مقدار ربحك في السهم الواحد يتعدى مقدار ربحك في المضاربة ببقية الاسهم مجتمعة.. شعور رائع أليس كذلك؟ ومربح ايضاً..
ولكنه صعب التنفيذ..
بشكل يفوق الخيال..
جرب واخبرني بشعورك بعد تطبيق هذه الطريقة.
مقال مميز , من الرائع وجود اشخاص في عالم التداول العربي مثلك , وفقك الله
تسلم اخوي محمد وشكراً على كلماتك الرائعة
جميل ما تطرحه
فوبيا الخسارة تظل مسيطرة
هذا صحيح.. لذلك مارك دوغلاس يقول أن الميزة الأساسية بين المضارب الناجح والمضاربين الآخرين أن المضارب الناجح لا يشعر بالخوف..
أما رأيي أنا في الموضوع هو أن الخوف يكون موجود حتى عند المضارب الناجح ولكنه يكون تحت السيطرة