يتزامن وقت كتابة هذا المقال مع إنتشار حمى الأخبار المرافقة لفيروس كورونا والأخبار الإقتصادية السلبية المتعاقبة حول إمكانية دخولنا في حالة ركود إقتصادي سئ والهبوط في أسعار الأسهم المحلية أو العالمية على حد سواء..
في أوقات عصيبة كهذه وأوقات أخرى كثيرة لا تتماشى الأسعار مع توقعاتنا وآمالنا يبرز سؤال مهم جداً وهو كيف يمكننا أن نحافظ على هدوئنا وإنضباطنا وإستيراتيجياتنا ونحن نشهد أمام أعيننا هذه التحركات السلبية للأسعار؟
أولاً وقبل أن أبدأ بالتنظير عليك وطرح محاضرة كاملة عن أهمية الهدوء والإنضباط الخ.. أريدك أن تعي أمر مهم قبل ذلك.. أنا اعلم أنك تعاني نفسياً من هذه الخسائر العائمة الحالية في حسابك.. في النهاية انا مضارب يومي مثلك وأعرف حق المعرفة صعوبة التعامل مع وضع كهذا.
ولكن واجبي يملي علي أن أكون صريحاً معك وليس فقط أن أجاملك وأتعاطف معك في خسارتك هذه.. ولذلك اسمح لي أن اقوم برمي القنبلة من البداية بدلاً من مقدمة طويلة لتهيئتك لهذا التصريح..
أنت تشعر بالإضطراب والخوف والهلع لأنك لم تصبح مضارب محترف بعد.. ومازلت تحتاج لوقت من التدريب والتطوير حتى تستطيع التعامل مع أمور مشابهه لهذا الأمر.
هل يمكنك أن تتخيل دخول شخص عليك يطلب منك أن تهدأ وتتعافى وأنت تشاهد برنامجك المفضل على نتفلكس؟ بالطبع لا.. هل بالإمكان أيضاً أن ينصحك شخص بالهدوء وانت تتناقش في أمور ودية مع اصدقائك الذين تعرفهم من عشرات السنين؟ بالتأكيد لا ايضاً..
الأمر مشابه لحد كبير مع المضاربة بالأسواق المالية.. لو كانت المضاربة بالسوق أمر اعتيادي بالنسبة لك فلن تحتاج لأي شخص أن يطلب منك الهدوء والتفكير بعقلانية حتى مع التحركات الغير منطقية لأسعار السوق..
الهدوء والإنضباط مهارات نتعلمها ونتدرب عليها وقت الرخاء لنستطيع استخدامها وقت الشدة.. ولذلك دعنا نتعلم في هذا المقال بعض المهارات البسيطة التي يمكن أن نبدأ بتطبيقها حتى نستطيع الحفاظ على إنضباطنا وقت تحركات الأسعار بشكل غير متوقع..
أساسيات الهدوء والإنضباط في أسواق المال:
الصفقة المدروسة:
هل الصفقة أو الصفقات المفتوحة عندك الآن والتي تتحرك عكس المتوقع قمت بدراستها بعناية قبل تنفيذها؟ أم أنها كانت مجرد توصية سمعتها من صديق أو حصلت عليها من خلال وسائل التواصل الإجتماعي؟
الصفقات المدروسة والتي تتماشى مع استيراتيجيات دخولك في السوق لا تسبب لنا القلق كثيراً حتى عندما يتحرك السعر بشكل مغاير للتوقعات لأننا نعرف استيراتيجيات دخولنا واختبرناها لفترة طويلة.. لذلك لن نفقد هدوئنا وإنضباطنا بسهولة عندما يتحرك السعر بشكل مختلف.. من جهة أخرى نجد الصفقات التي نقوم بتفعيلها بسبب توصية بدون أن نعرف بالضبط سبب الدخول فيها تكون عرضة وبشكل كبير لهز ثقتنا بأنفسنا عندما تسجل الصفقة خسارة عائمة.
الإدارة المالية:
لنفترض بأنك تملك 100,000 ريال وقمت بتنفيذ صفقة على سهم واحد بغض النظر عن سبب اختيار هذا السهم وقمت بشراء كل الأسهم التي تستطيع شراؤها برأس المال بالكامل.. ومن الجهة الأخرى قام مضارب آخر يملك أيضاً 100,000 ريال بشراء نفس السهم ولكنه قرر تخصيص 20,000 ريال فقط لشراء هذا السهم من مبدأ تخصيص 20% فقط لكل صفقة..
من تعتقد من هؤلاء المضاربين الإثنين سيكون اكثر حساسية وتوتر لأي خبر سلبي قادم؟ أحد أساسيات الإدارة المالية الصحيحة هو عدم المخاطرة بأكثر من نسبة مئوية محددة لكل صفقة.. وأيضاً عدم شراء أسهم من قطاع واحد فقط لتفادي موضوع الإرتباط.
عدم فهم موضوع الخوف والطمع:
الكثير من المحللين تحدث عن موضوع الخوف والطمع على أنها المحرك الرئيسي لأسواق المال وهذا صحيح ولكنهم لم يقوموا بتحديد نسبة كل عنصر منهم على حركة السعر.. النسبة الصحيحة هي 80% خوف و 20% طمع..
لهذا السبب بالذات لا نشاهد صعود الأسعار بدافع الطمع بنفس القوة التي نشهدها بدافع الخوف عند مسيرة السعر للأسفل.. خوفنا من الخسارة يتعدى بنسبة الضعف رغبتنا في تحقيق ارباح وهذا الأمر تم دراسته بإستفاضة وبشكل مستمر.. ولهذا السبب نشاهد تأثر الأسواق بشكل اكبر مع الأخبار السلبية هبوطاً اكثر من تأثره بالأخبار الإيجابية صعوداً..
فهمك لهذه العناصر – وهذا المعادلة – يجعلك في خانة اكثر تفهماً فيها لحركة الأسواق مع الأخبار الإيجابية والسلبية وبشكل آلي يجعلك اكثر هدوءاً وإنضباطاً مع تقلبات الأسعار الحادة.. لذلك يمكنك الحياد بعض الشئ من المقولة المنتشرة بشدة بين المضاربين وهي أهم شئ عدم خسارة رأس المال إلى أمر آخر اكثر منطقية وهو المضاربة بحرص لعدم خسارة رأس المال.. المكان الوحيد الذي من الممكن أن لا تخسر رأس مالك فيه هو خارج السوق.. ولكن هذا بالتأكيد ليس الحل الأمثل.
عدم المراجعة المستمرة لنتائج حسابك الإستثماري:
من العبث الإعتقاد بأنه يوجد مضارب محترف لا يقوم بمراجعة أداؤه الشخصي كل (شهر – ثلاثة أشهر – سنة) لمعرفة معدلات صفقاته الرابحة والخاسرة.. الدروداون والمكاسب الشهرية والسنوية المتوسطة ومعدلاتها.. وأيضاً لتحديد نقاط الضعف والقوة في أدائه وهكذا..
هذه الأرقام وهذه السجلات مهمة جداً لمعرفة نسبة أدائك وتحسنك ونقاط قوتك وضعفك.. إمتلاكك ومراجعتك المستمرة لهذه السجلات يجعلك اكثر هدوءاً وإنضباطاً في أوقات كهذه لأنك تعرف أرقامك بشكل جيد على مدار عدة سنوات ماضية.. بالمقابل المضارب الذي يقوم فقط بفتح وإغلاق صفقات ولا يقوم بمراجعة سجلاته بشكل منتظم لن يستطيع الحصول على راحة كاملة عندما يواجه تحركات معاكسة للأسعار وأخبار سلبية في وسائل التواصل الإجتماعي.
عدم فهم أهم قوانين الأسواق المالية:
مارك دوغلاس قام بمساعدتنا لفهم أهم قانونين لأسواق المال والتي يجب على كل مضارب أن يقوم بترديد هذه القوانين بشكل يومي حتى تثبث في عقله وتصبح جزء لا يتجزأ من شخصيته المضاربية.. وهذه القوانين هي:
- أي شئ ممكن أن يحدث
هذا القانون ينص على أن أي شئ (إيجابي أو سلبي) قد يحدث في أي وقت أثناء التداول.. هذا يشمل نشوب حرب أو إنتشار وباء أو إعلان خسائر غير متوقعة أو أي أمر آخر قد يحدث بدون الحاجة لمعرفة ذلك بشكل مسبق أو معرفة تأثيره الحقيقي على الأسواق المالية.. عدم إيماننا وفهمنا لهذا القانون يجعلنا عرضة للتوتر والخوف والقلق من حدوث إنهيار في السوق أو تعليق للتداول أو هبوط مدوي للسعر.. هذا القانون يجعلك تتذكر بإستمرار أن كل الإحتمالات مفتوحة على مصراعيها وبأن الإدارة المالية الصحيحة لكل صفقة أمر بديهي يجب أن يتم دراسته والإهتمام به بعناية فائقة.
- كل لحظة في السوق تعتبر فريدة من نوعها
قد يكون فهم هذا القانون أمر بسيط ولكن تطبيقه وإستيعابه أمر بالغ الصعوبة حقاً.. مبدأه ينص على أن اللاعبين الأساسيين في كل لحظة في السوق يتغيرون بإستمرار ومن المستحيل معرفة كامل المتغيرات التي تؤثر على حركة الأسعار.. وهذا يشمل الأخبار أيضاً.. لذلك معرفة أن سبب دخولك في صفقة ما بعد تأكيد كل التحليلات الأساسية والفنية والتي تدعم صعود السعر لسهم ما ليست كافية لتحقيق الهدف لأن كل لحظة ستتبع لحظة دخولك في الصفقة هي بحق لحظات فريدة من حيث السيولة ، المضاربين المشاركين في الصفقة ، الأخبار ، التوجهات السياسية والجيوسياسية ، وهكذا..
فهمك لهذا القانون يجعلك اكثر تقبلاً لحركات الأسعار الغير مفهومة لأنك تؤمن بأن الكثير من العوامل المختلفة ستؤثر على حركة السعر والسوق ككل ولن يكون بإستطاعتك معرفة كل ما يحدث.
إبيكتيسوس يقول ” الظروف والحوادث لا تصنع الإنسان.. إنها فقط تكشف حقيقته لنفسه “.. وبنفس المنوال عندما تشعر بالضيق والخوف والمرارة من تحركات الأسعار الغير متوقعة يجب أن تكون هذه إشارة واضحة لك ليس لتقوم بتأنيب النفس وجلد الذات ولكن لمعرفة الأماكن التي تحتاج منك لتقوية وتعزيز وتحسين.. كيف يمكنك معرفة مدى شجاعتك بدون مواجهة مواقف تستدعي ذلك؟ وكيف يمكنك معرفة مدى كرمك وسخائك بدون مواقف ايضاً تستدعي ذلك؟
وفي أسواق المال.. كيف يمكنك معرفة احترافك وقوتك – أو نقاط ضعفك – بدون مشاهدة هذه الحوادث في السوق والتي يتحرك فيها السعر صعوداً وهبوطاً بشكل عنيف ومدوي؟ انا اعلم تماماً المرارة عندما نتعرض لخسائر عائمة أو حقيقية في السوق ولكن لا يمكننا دائماً أن نحمل معنا هذا الشعور بالضيق خصوصاً أن خوفنا من الخسارة يعتبر أمر مغروس في داخلنا لا يمكننا تغييره ولكن يمكننا تفهمه والتعايش معه.
قد يتبادر إلى ذهنك الآن عبارات مختلفة مثل ” اللي رجله في الماء مو مثل اللي رجله في النار ” وعبارات أخرى مشابهه تعطي إشارة خاطئة إلى أنك أنت الشخص الوحيد الذي يعاني في السوق من خسائر متلاحقة وكوارث متتالية.. للمرة الألف أخبرك بأن هذا الأمر طبيعي جداً ولكنه لن يفيدك لحل هذه المشكلة.
ما يجب عليك عمله هو التوقف للحظة والتفكير ببعض الموضوعية.. بدلاً من إلقاء أسئلة واهية مثل ” لماذا دائماً يحدث لي هذا الأمر ؟ ” بعد مشاهدة تأثير هذه الأخبار السلبية على السوق يمكنك إلقاء أسئلة افضل بكثير من شخصنة هذه الأمور.. مثل:
- ماهي الأخطاء التي ارتكبتها والتي أثرت على حسابي بعد هذه الهبوط في السعر؟ قد تصل لإجابة مثل عدم تطبيق إدارة مالية صحيحة.. العمل بتوصيات الآخرين بدون دراسة للصفقة وهكذا..
- كيف أستطيع السيطرة على مشاعر الخوف والقلق عند تذبذب الأسعار بهذا الشكل؟ سأقوم بدراسة صفقاتي واستيراتيجياتي بشكل افضل.. سأقوم بتطبيق بعض النصائح والإرشادات التي قرأتها في هذا المقال.. وهكذا..
في هذا المقال السابق تحدثت عن بعض التكتيكات التي يمكنك إستخدامها لتخفيف حدة التوتر والخوف عند التداول.. يمكنك إستخدام تقنيات مختلفة للتعود على الهدوء والإنضباط وقت الأزمات – إن صح تسميتها أزمات – وبذلك ستتمكن من التداول بفعالية اكبر وبحد مقبول من الخوف والقلق.. أما أن تضارب بالسوق وانت تشعر بالرعب من كل شاردة وواردة فهذا بالتأكيد هو العذاب الحقيقي الذي سيدمرك ويدمر حسابك الإستثماري مع الوقت..
بغض النظر عن مدى احترافك للتحليل الفني.. أو للتحليل الأساسي حتى.
مقال قيم تشكر عليه استاذ فيصل
اريد الاستفسار عن نقطة جميلة ذكرتها وهي عدم المراجعة المستمرة لنتائج حسابك الإستثمارية !
هل بإمكانك افادتنا بملفات اكسل جاهزة تمكننا من المراجعة بشكل سلس ؟
مقال رائع استاذنا