في عالم التداول بالأسواق المالية.. تبقى نتيجة الصفقة الواحدة عشوائية حتى ولو اجتمعت عشر مؤشرات ودلائل أساسية وفنية توحي بصعود قادم او هبوط قادم لسهم ما.. وهذه الحقيقة الواضحة تبقى غائبة حتى عن الكثير من المحترفين واصحاب الخبرة.. في الأعوام الماضية زادت وتيرة اللقاءات الإجتماعية بشكل غير مخطط له مع عدد غير محدود من المحترفين في تحليل الأسواق المالية.. وكنت أتفاجأ تماماً عندما اسمع حديثهم وتأكيدهم المطلق على حركة الأسعار القادمة أو المناطق التي سيستمر السعر بالصعود اليها قبل أن يحدث تصحيح وذلك بصيغة التأكيد وليس بصيغة ترجيح الإحتمالات.. إلى أن تعلمت درس في غاية الأهمية وهو أن المحترف الحقيقي يكون في فهمه للأسواق ( وللتداول الحقيقي ) وليس فقط بفهمه لإستيراتيجيات خاصة بالتداول.. وهناك فرق شاسع بين الإثنين وإحدى أسهل الطرق التي يمكن بها كشف محترف التداول عن محترف التحليل هي أن الأول يؤمن بإحتمالات متوقعة لحركة السعر ولا يتفاجأ كثيراً عندما يسير السعر عكس المتوقع لأنه يؤمن بأن أي شئ ممكن أن يحدث.. بينما على الجهة الأخرى يقوم محترف التحليل بتأكيد حركة السعر القادمة ويصاب بصدمة عند حدوث العكس.. هذا بالإضافة لخيبة الأمل أمام الآخرين الذين قام بتأكيد حركة السعر القادمة لهم.
العرض والطلب:
بإختصار شديد.. هناك عوامل كثيرة تؤثر على حركة الأسعار ولكن يمكن اختصارها بمصطلح العرض والطلب.. ولكن لا يوجد عامل مؤثر على حركة السعر وهي توقع المحترف الفلاني أو الخبير المالي لحركة السعر.. في الواقع.. تبقى توقعات هؤلاء ( الخبراء ) غير مؤثرة تماماً لأنهم في الغالب يقومون بتوقع حركة السعر ولكن بدون مشاركة بالبيع والشراء الفعلي.. ذكرت في السابق بأن نتيجة الصفقة الواحدة – الحالية او القادمة – لا يمكن التنبؤ بنتيجتها إن كانت ستنتهي بربح او خسارة.. ولكن يمكن فعلياً قياس أداء عينة من الصفقات ( شهرية ، ربع او نصف سنوية ، سنوية) وذلك بالإعتماد على نتائجك عن الفترة السابقة في التداول.. لتسهيل الأمر يمكنك بسهولة شديدة توقع أدائك ونتائجك القادمة بناءاً على نتائجك السابقة لمجموعة من الصفقات وليس لكل صفقة على حدى.
أرقام وإحصائيات:
لنفترض بأنك قمت بدراسة أدائك السابق لأول ستة أشهر من السنة الحالية ووجدت أنك قمت بتنفيذ 90 صفقة انتهت 60 منها بربح و 30 منها بخسارة ( وهذا يعادل نسبة ربح 66% من مجمل الصفقات ).. بناءاً على هذا الرقم يمكنك توقع ربح 80 صفقة قادمة للستة أشهر الأخرى من السنة لو كان مجموع عدد صفقاتك القادمة هو 120 صفقة.. وهذا لا يقتصر فقط على إمكانية توقع عدد الصفقات الناجحة ولكن يشمل ايضاً التوقع المحتمل لمعدل نمو رأس المال.. النمو المتوقع الشهري.. معدل التغيير لرأس المال.. العائد على المبلغ المستثمر وكل هذه الأرقام الأخرى ايضاً وبدقة مدهشة. هذه الأرقام والتوقعات مهمة جداً للمتداول لأنه اصبح الآن يفكر بطريقة مختلفة عن المتداول العادي.. تفكير هذا المضارب نما بشكل كبير واصبح يفكر بطريقة الشركات الكبرى وليس بطريقة المضاربين الأفراد الذين يخسرون صحتهم وراحة بالهم وسعادتهم من أجل نتيجة صفقة واحدة.. المضارب المحترف والذي يفكر كشركة ويتعامل مع الأسواق المالية بطريقة العمل الإحترافي وليس من باب الهواية يعلم تماماً بأن خسارته لصفقة واحدة – أو عدة صفقات – يعتبر أمراً عادياً جداً ولا يستدعي القلق لأن لديه احصائية سابقة تفيد بأنه من الممكن أن يقوم بتعويض هذه الصفقات في نهاية كل فترة زمنية.
تأثير هذه الحقائق على سيكلوجية المتداول:
اكبر أثر واضح عند وجود أرقام واحصائيات تفيد بمستوى وأداء هذا المستثمر أو ذاك هي أن المتداول الذي يتعامل مع مجموعة من الصفقات ولديه أرقام واضحة عن أدائه ونتائجه لن يتردد إطلاقاً في تفعيل أي صفقة تلائم استيراتيجيته وإشاراته الفنية التي تدرب عليها لسنوات لأنه لا يشغل باله أبداً بنتيجة الصفقة الواحدة.. بينما على الطرف الآخر نجد المضارب العادي يعتمد على عدة عوامل مختلفة لكي يكون قادراً على تفعيل الصفقة المقبلة.. هو بحاجة لتأكيد نجاح الصفقة قبل تفعيلها لأنه لا يريد أن يعاني من صفقات خاسرة.. فنجد أنه يحاول أن يقوم بتأكيد نقطة الدخول مع مضاربين آخرين لتأكيد وجهة نظره.. أو بالإعتماد على مشاعره وعواطفة – وحدسه ايضاً – وعوامل أخرى مختلفة لا تشكل سبباً مباشراً للدخول أو عدم الدخول في صفقات جديدة.. ربما يجب عليك من اليوم أن تقوم بتقييم أداؤك بشكل مهنى حقيقي وربما لأول مرة في حياتك.. وبعد النظر الى الأرقام والإحصائيات ستجد الكثير من الأمور التي يمكنك البدء بالعمل عليها لتحسينها وتطويرها بدلاً من التشبث بكل صفقة والتعلق بها بشكل عاطفي مجنون وكأن حياتك تعتمد على نتيجة هذه الصفقة.. جرب ذلك وأخبرني بالنتائج.