صنُاع السوق (الجزء الثالث)

تابعنا في المقال الأول كيف يتم اصطياد أوامر وقف الخسارة والإستفادة التي تعود على هؤلاء (الهوامير) من فعل ذلك.. ثم استطردنا الحديث في المقال الثاني عن اسباب اكثر واعمق لتحركاتهم تلك وكيف يعد ذلك واحد من أهم الأسباب التي تثير حفيظة المتداولين عندما يقوم هؤلاء الهوامير بتنفيذ صفقاتهم بهذه الطرق.. حتى نكون واقعيين بعض الشئ إسأل نفسك السؤال التالي.. هل هناك أمر اكثر إثارة لليأس والمرارة والإحباط من أن تقوم بمراقبة سعر سهم ما حتى يصل للمستوى الذي ترغب به وبعد ذلك تقوم بتحديد هدفك ووقف خسارتك ومن ثم تفاجأ بملامسة بسيطة للسعر لوقف خسارتك قبل إكمال مسيرته التي توقعتها مسبقاً ولكن بعد إخراجك من اللعبة؟!..

ولكن حتى لا يبدأ البعض بالتشكي وإلقاء اللوم على هؤلاء ( الهوامير ) بأنهم يتلاعبون بالأسواق المالية وبأنهم سبب خسارة المتداولين اصحاب رؤوس الأموال الصغيرة.. سأقوم بتسليط الضوء في الجزء القادم ( الرابع والأخير ) من هذه السلسلة عن الأخطاء الكارثية التي يقع بها المتداولين الأفراد والتي تسبب لهم خسائر مستمرة لمحافظهم الإستثمارية.. في هذا الجزء سنتحدث بشكل مختصر عن المتاعب التي تصيب ( الهوامير ) أنفسهم عندما يقعون ضحية لتحركات سعرية تسبب خسائر فادحة لهم ، وهي كالتالي:

الهوامير يخسرون ايضاً ، وربما بشكل اقسى من خسارتك انت:

دعنا نحاول تصنيف هؤلاء الهوامير اصحاب رؤوس الأموال الضخمة التي تحرك اسواق المال كما تحدثنا عنهم في الجزء الأول من هذا المقال.. الهوامير هم مؤسسات مالية ضخمة تقوم بالمضاربة بعقود اكبر بكثير من التي نتداول بها انا وانت.. هؤلاء الهوامير عبارة عن صناديق استثمارية ضخمة ، شركات تأمين ، صناديق تحوط ، بنوك محلية ومركزية ، الخ.. ولكن لنحاول تمييز هذه المؤسسات المالية الى اصغر اجزاؤها التي تقوم بالمضاربة في اسواق المال سنجد أنها في النهاية عبارة عن أفراد يقومون بالمضاربة لصالح هذه المؤسسات المالية الضخمة بمبالغ كبيرة ، أو برامج آلية مضاربية عبارة عن لوغاريتمات رياضية معينة لتنفيذ الصفقات قام بتصميمها ايضاً مضاربين افراد مثلي انا وانت وتسمى Algos..

إذاً هي في النهاية هذه المؤسسات المالية هي عبارة عن مضاربات فردية يومية في السوق.. وهذا بحد ذاته لا بد أن يأخذ بالحسبان بأن الأخطاء التي نقوم بها انا وانت اثناء التداول يقوم بها هؤلاء الهوامير ايضاً ولكن بمبالغ مالية اضخم.. وهذا يأخذنا إلى التفكير في هذه المسألة وتقسيمها على النحو التالي:

1- أنت في وضع نفسي افضل بكثير من هؤلاء الهوامير:

تحدثنا في مقالات سابقة بأن خسارتك لصفقة واحدة لا تؤثر إلا على رأس المال فقط.. ولكن بالنسبة لهذه المؤسسات خسارة الصفقة الواحدة ممكن أن تؤثر عليهم بشكل كبير جداً.. أحد أهم هذه الأسباب هي أن هذه الأموال ليست تابعة لهذه المؤسسة المالية.. بل هي أموال تم إيداعها من قبل مستثمرين آخرين لهذه المؤسسة لتقوم هي بالمضاربة في الأسواق المالية بدلاً عنهم مقابل رسوم يتم الإتفاق عليها مسبقاً.. وهذا بحد ذاته كاف بشكل كبير لتشكيل ضغط هائل على هؤلاء المتداولين وتحويل خسارتهم لصفقات محددة لجحيم حقيقي.. وهذا قد يؤثر نفسياً على إغلاق وفتح صفقات جديدة لهذه المؤسسات المالية مما يؤثر بدوره على توليد تذبذبات سعرية عنيفة نجدها غالباً قريبة من مستويات الدعم والمقاومة ومن هذه التحركات السعرية قد تحدث ملامسات لوقف خسارة للكثير من المتداولين الأفراد..

2- كل هامور كبير فيه اللي ( اكبر منه ):

تخيل معي السيناريو أدناه والذي نراه بشكل متكرر في الأسواق المالية..

في هذا الرسم نشاهد كيف هبط السعر وإرتد إرتداد بسيط عند النقطة رقم 1 بعد أن لامس مستوى دعم رقم 2.. في هذه اللحظة سيعتقد الهامور (ألف) بأن السعر مناسب للشراء بعد ضغطه قليلاً للأسفل لمعرفته المسبقة بأن الكثير من مستويات وقف الخسارة ستكون مرتكزة في المستوى رقم 3..

في هذا الرسم نشاهد كيف قام الهامور (ألف) بضغط السعر للأسفل لضرب مستويات وقف الخسارة ثم الشراء بسعر افضل بالكمية التي يرغب بها كما شرحنا مسبقاً في المقال الأول والثاني.. هذه الحركة قامت بضرب الكثير من أوامر وقف الخسارة لمتداولين آخرين وزادت نسبة السيولة التي يرغب الهامور (ألف) بالحصول عليها..

لسوء حظ الهامور (ألف).. حركته الهندسية بضغط السعر للأسفل لإصطياد أوامر وقف خسارة لمتداولين آخرين ثم زيادة حصته الشرائية لبدء رحلة الصعود انتهت بشكل مأساوي بالنسبة له.. فبعد أن قام السعر بكسر مستوى الدعم رقم 2 والعودة لإختبار نفس المستوى رقم 4.. شاهد الهامور (باء) بأن هذا كسر حقيقي وعاد السعر لإختبار مستوى الدعم الذي – من المتوقع – أن يتحول لمستوى مقاومة فبدأ حملة بيع شرسة أو قام بزيادة حصته البيعية السابقة بسبب أن السعر كان يتحرك أساساً في إتجاه هابط.. وهذا ما جعل الهامور (ألف) والذي حاول جاهداً لتجهيز حملته الخاصة به للبيع بسعر أعلى من سعر شرائه عند مستوى الدعم أن تنتهي صفقته بخسارة ثقيلة..

3- ماذا عن الهوامير (الخاملين) أيضاً؟:

تحدثنا ببعض التفصيل عن الهامور النشط الذي يقوم بهندسة تحركاته وبناء صفقاته بشكل مخطط له مسبقاً وكيف أن هذه الحركات تسبب الكثير من الكسر والاختراقات الكاذبة لمستويات الدعم والمقاومة وتقوم بضرب مستويات وقف الخسارة للكثير من المتداولين.. ولكن ماذا عن الهوامير الخاملين ودورهم في ذلك؟ وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على مستويات الخسارة الخاصة بك؟

الهامور الخامل هو الهامور الذي لم يقم بعد بتنفيذ صفقة في السوق وينتظر فرصة مناسبة للدخول.. قد تكون اسباب دخوله فنية او مالية ولكن ذلك لا يهم.. ما يهمنا هو كيف سيقوم بتنفيذ صفقته ومتى.. من اكثر الاوقات التي نشهد فيها جنوناً وتذبذباً للأسعار بشكل خيالي تكون بعد صدور البيانات الإقتصادية الهامة.. وكلما زادت النتائج الاقتصادية ابتعاداً عن توقعات الخبراء كلما كانت حركة السعر مجنونة بشكل قد لا تصدقه انت نفسك.. ولكن مالذي يحدث بالضبط في هذه الفترة وكيف يكون لذلك علاقة بوقف خسارتك.. دعنا نشاهد المثال التالي:

لنفترض أن سعر سهم ما أو سلعة معينة كان يتداول عند سعر 50.00 دولار وكان هذا المستوى ايضاً مستوى دعم سابق للسهم كما في الرسم أدناه.. نلاحظ كيف حدث إرتداد بسيط إيجابي للسعر عند مستوى الدعم.. في هذه اللحظة قد يقوم الكثير من المتداولين بالشراء ووضع وقف الخسارة تحت مستوى الدعم تقريباً عند مستوى 49.00 دولار..

بعد ذلك وبكثير من الترقب والإنتباه كانت العديد من المؤسسات المالية الضخمة والبنوك ترتقب صدور بيانات اقتصادية هامة.. من اكثر الأمور التي تهتم لها هذه المؤسسات المالية هو الدخول قبل المنافس الآخر للحصول على افضل سعر.. لأنه – وكما شرحنا سابقاً في مقالات أخرى – هدفك انت كمتداول دائماً أن تشتري السهم بسعر سئ وتبيعه لغيرك بسعر أسوأ.. ولولا ذلك لما كانت هناك مضاربات مالية ومزايدات على الأسعار.. المهم وأنه قبل صدور هذه البيانات قامت فرق الأبحاث المالية التابعة لمؤسسة مالية ما بالإعتقاد بأن البيان الذي سيصدر سيكون سلبياً وعكس المتوقع.. لذلك سيحاول هؤلاء البيع قبل صدور البيان ولذلك للحصول على سعر بيع بأعلى سعر ثم بيع ذلك على متداولين آخرين سيشاركون بعد صدور البيان بسعر أقل وهذا يحقق ارباح مجزية لهم.. بسبب ذلك حدث هبوط للسعر قريب أو تحت مستوى الدعم بقليل كما في الرسم أدناه..

هذه الحركة الصغيرة قد تسبب القلق والتوتر للكثير من المتداولين الذي ربما سيقومون بإغلاق صفقاتهم بأنفسهم او سيقوم السعر بضرب وقف خسارتهم.. في هذه الأثناء صدرت هذه البيانات الاقتصادية وكانت ايجابية للغاية.. في هذه اللحظة ستنشط هذه المؤسسات المالية ( الخاملة ) والبنوك وكافة الهوامير الذين ذكرناهم سابقاً لتنفيذ صفقات شرائية ضخمة  بسبب هذه الأخبار الإيجابية مما سيقوم برفع الأسعار بشكل جنوني الى مستويات عليا وبوقت قصير جداً.. ولكن بعد أن قام السعر مسبقاً بضرب وقف خسارتك.. في هذه اللحظات الجنونية يرتفع مستوى الإنزلاق السعري إلى مستويات قياسية سلبيج ويسبب ايضاً خسائر فادحة للكثير من المضاربين ( ولعلنا نتحدث عن ذلك بإسهاب في مقال آخر )..

مما سبق نشاهد كيف أن ضرب وقف الخسارة والشعور بالمرارة والإحباط ليس حصراً فقط على المتداولين الأفراد بل يشمل جميع المشاركين في هذه اللعبة بغض النظر عن قوتهم المالية.. في إحدى لقاءات جاك شواغر مع ( هوامير واساطير سابقين ) تحدث مايكل ستيندهارت كيف أنه – تم اصطياده – في صفقة لفول الصويا ولم يستطع بيع الكمية التي اشتراها لمدة خمسة ايام متتالية بنسب دنيا لسعر السلعة وكانت خسارته اليومية تقدر بـ 125,000 دولار.. وكيف ان ديفيد ريان خسر تقريباً كل ما يملك بصفقة خاصة بالسكر وغير ذلك الكثير من القصص المشابهه.. ما يهمك أنت كمتداول بعد هذه المقدمة القصيرة خلال ثلاثة مقالات متتالية كيف أن رأس المال نفسه لا يهم بقدر ما يهمك هو مقدار الخسارة في الصفقة الواحدة.. وكيف أنه لا يستطيع أحد الهروب من الخسارة لصفقة او عدة صفقات في السوق بل يجب عليه تقبل ذلك بصدر رحب كما يقول لاري هايت.. ولكن إن كنت مهتماً بكيفية فهم هذه الحركات السعرية بشكل اكبر وحماية رأس مالك قدر الإمكان عند تنفيذ صفقات مضاربية في السوق فهذا ما سيكون مضمون المقال القادم والاخير من هذه السلسلة الخاصة بـ ( صنُاع السوق ).