الحزن عاطفة نشعر بها عندما نقوم بعمل شئ ( في الماضي ) ونندم عليه لاحقاً ربما لأننا غير قادرين على تغييره.. الخوف من الجهة الأخرى يحدث عندما نخشى حدوث شئ ( في المستقبل ) لا نعرف كيف نستطيع التنبؤ به ، أما القلق والضغط النفسي فيحدث عندما نقوم بعمل شئ ( في الماضي ) ولا نعلم كيف ستؤول الأمور ( في المستقبل ) حيال هذا الأمر..
لنفترض بأن لديك مقابلة شخصية لعمل بعد ساعة من الآن.. شعورك الحالي سيكون الخوف بالطبع لأنك غير قادر على التنبؤ بالأسئلة التي سيقوم صاحب العمل بطرحها عليك وربما انت غير متأكد أيضاً من الطريقة التي ستجيب بها على هذه الأسئلة.. بعد إجراء المقابلة ستشعر بالقلق لأنك تفكر الآن بما فعلته في الماضي ( بعد المقابلة ) وتخشى من المستقبل أن يؤثر ذلك على قرارات صاحب العمل ، وهذا الأمر مقبول لحد ما حيث أن هذه عواطف ومشاعر طبيعية ولكن يمكن التدرب على تحسينها والتقليل منها.. العاطفة المدمرة حقاً هي القلق تجاه القلق نفسه ، وهذا ما يجب الحديث عنه خصوصاً اثناء التداول في أسواق المال..
القلق تجاه القلق ( ودوامة الجحيم ):
قمت صباح اليوم بتفعيل صفقة شرائية وشراء عقد على السهم اكس .. بعد تفعيل الصفقة بدأت تشعر بالقلق من هذا الفعل الذي قمت به في الماضي لأنك تخشى نتائج هذه الصفقة الجديدة في المستقبل ، إلى هذا الحد الأمر يعتبر طبيعي والتوتر في مثل هذه الظروف أمر وارد جداً.. المشكلة الحقيقة تبدأ عندما تبدأ بالشعور بالقلق حيال القلق نفسه.. الضغط النفسي والشعور بضيق الصدر والتنفس لأنك غير قادر على ضبط عواطفك وتخفيف قلقك نفسه.. رويداً رويداً سيبدأ عقلك بالإنسحاب من التفكير في الصفقة نفسها التي سببت لك هذا القلق الى التفكير في أمور أخرى لا علاقة لها بهذه الصفقة ولكنها نابعة من وعيك ومعرفتك بأنك تمر بفترة غير طبيعية.. وفي هذه الحالة ومع كل هذه المشاعر المتناقضة ستبدأ بزيادة القلق لديك وذلك عن طريق طرح اسئلة وتعليقات لا علاقة لها بأي شئ مثل لماذا دائماً اقوم بتفعيل صفقات شرائية ولا يتحرك السعر للأعلى.. لماذا الآخرين يربحون وانا لا؟ لماذا يقف الحظ السئ في وجهي دائماً؟ لماذا انا غبي الى هذه الدرجة؟! وتبدأ الآن دوامة حقيقية من الجحيم لا علاقة لها بالفعل نفسه ( تفعيل الصفقة ) ولكنها نابعة من شعورك بالقلق تجاه هذه الصفقة.
معنى ذلك أنك تقوم بمحاربة ومقاومة مشاعر طبيعية يشعر بها أي شخص عندما يقوم بأداء عمل معين لم تظهر نتائج هذا الفعل بعد.. تماماً كما يحدث لنا عندما نتحدث مع شخص ما وبعد الانتهاء من الحديث نبدأ بلوم انفسنا حول ما قلناه خلال هذا الحديث ونتسائل إن كان الشخص الآخر سيقوم بتفسير ما ذكرناه بشكل خاطئ.. ثم بعد ذلك نبدأ بالقلق حول هذا القلق بإلقاء جمل وعبارات غريبة جدا وفيها جلد للذات بشكل واضح مثل لماذا اشعر بالتلعثم عندما اتحدث مع هذا الشخص ، مالذي سيعتقده عني الآن ، هل سأبقي على هذه الحالة الغريبة عندما اتحدث مع اشخاص آخرين لمدة طويلة؟ وهكذا..
الدخول في دوامة يستغرق وقتا طويلا للخروج منه:
عند دخولك في دوامة من التفكير الذي لا علاقة له بالفعل نفسه وتبدأ بالتفكير في العواطف نفسها وليس الحدث الاساسي سيقوم عقلك بشكل آلي بالتشعب وسيعطيك اجابات مناسبة لنوع الأسئلة التي طرحتها انت بالفعل.. عندما تبدأ بالقلق تجاه القلق نفسه وتسأل نفسك لماذا قمت بتفعيل هذه الصفقة رغم أن آخر صفقة نفذتها وكانت شبيهه للصفقة الحالية انتهت بخسارة موجعة فسيجيبك عقلك على الفور لأنك غبي ولا تصلح للتداول.. وعندما يزداد القلق لديك ستقوم بتبني افكار هدامة في عقلك بأنك شخص جبان ولا تملك العواطف الحديدية المناسبة للتداول بالاسواق المالية.. لست متخصصاً في مسألة العواطف والمشاعر الإنسانية ولكن على حد علمي لا يوجد عواطف خفيفة وعواطف ثقيلة وعواطف حديدية.. يوجد فقط مشاعر.. وهذه المشاعر مهمة لنا لإتخاذ افعال مناسبة عند الشعور بها ولكنها ايضا تقوم بتقييدنا اذا خضعنا لها بشكل كامل.
كيف بإستطاعتي الخروج من هذه الدوامة الرهيبة؟
دعني أسألك هذا السؤال أولاً ، هل لو كنت ستستمر في وظيفتك لو كانت عبارة عن التحدث الى الجمهور ولكن في كل مرة تقوم بهذا العمل تشعر بالإضطراب والقلق والضغط النفسي قبل وبعد إلقاء هذه الكلمة؟ هل اخبرت احد اصدقائك بأنك لم تستطع التخلص من القلق عند إلقاء خطب للجمهور وان هذا هو عملك الذي تكسب منه قوت يومك ، صديقك سيقوم على الفور بتنيهك لترك هذه الوظيفة التي تسبب لك كل هذا القلق والبحث عن وظيفة أخرى.. أنا في هذا المقال لا اريد ان انصحك بأن تترك التداول إن كان يسبب لك كل هذه الازمات والعواطف التي تجعلك تشعر بالسوء من نفسك.. ولكنني اريد تنبيهك بأن استمرارك بالتداول لن ينتهي بشكل جيد إذا لم تبدأ على الأقل بمحاولة اصلاح هذا الخلل.. واول خطوة للإصلاح هي الوعي والإدراك بوجود المشكلة واسبابها.
الآن اريدك ان تحاول الآتي ، عندما تبدأ بالشعور بالقلق في المرة القادمة وتشعر بأن هذا القلق سيجعلك تشعر بالمزيد من القلق ويدخلك في دوامة لا ترغب ابدا بدخولها.. قم بتذكير نفسك بأنك قمت بعمل كل ما يحتاج اليه هذا العمل عندما قمت بتنفيذه.. اخبر نفسك بأنك قمت بمراجعة استيراتيجيتك وادارتك المالية للصفقة وحجم عقودك المناسب لهذه الصفقة.. قم باخبار نفسك بأنه لا احد يستطيع تحديد حركة السعر بعد تفعيل الصفقة الا الله سبحانه وتعالى وان الحذر لن يمنع القدر وهكذا.. قم باخبار نفسك بأن هذا العمل ( التداول بالأسواق المالية ) عمل من نوع خاص والشعور فيه بالقلق يعتبر امر طبيعي جدا وليس في الموضوع بحد ذاته ما يدعوا للقلق.. قم بالاستسلام وعدم محاربة هذه المشاعر والعواطف اثناء التداول وتفرغ لتحليل السوق فقط.. من الأمور التي اقوم بها انا شخصياً عندما اتنبه لعقلي وهو يحاول تذكيري بأن لدي صفقة مفتوحة وبأنها قد تعكس اتجاهها وبأنه يجب علي أن أقلق بشأنها اقوم بترديد هذه الجملة رغم سخافتها واقول بصوت مسموع نسبياً ( نعم انا اشعر بالقلق ، وماذا في ذلك؟)
يقول جاري دايتون ” انت تستطيع ان تضارب بالسوق او ان تضارب بمشاعرك ” ، لست بحاجة للتفكير دائماً في مشاعرك والشعور بالقلق حيال شعورك بالقلق.. تذكر بأن هذا أمر طبيعي جداً.. لو كنت تلعب لعبة شد الحبل وشعرت بأنك لن تستطيع التغلب على الطرف الآخر فإن ما ستقوم بعمله بشكل آلي هو إفلات هذا الحبل والإستسلام ، وهذا ما اريدك بالضبط ان تقوم به.. عندما تنتبه لعقلك وهو يحاول جرك اليه عبر تذكيرك بالمشاعر السلبية التي تشعر بها الآن بسبب هذه الصفقة المفتوحة قم – وبكل سهولة – بإلقاء الحبل فقط والاستسلام وليس عبر مقاومته ومحاولة الانتصار عليه.. وتفرغ للتداول الفعلي فقط في السوق وليس للتداول الموجود في عقلك..
ومشاعرك..
وعواطفك ايضاً..