الأحد , يونيو 11 2023

حمى البتكوين

في عام 2009 عند نشأة البتكوين لم تكن متداولة بعد وكانت قيمتها 0.00 دولار ، في عام 2010 اصبحت قيمتها 0.39 دولار (39 سنت) ، في عام 2017 تخطى حاجز السبعة عشر ألف دولار! هذه الحمى الرهيبة لتداول هذه العملة الرقمية وغيرها من العملات الأخرى اصبح الشغل الشاغل للمتداولين بالأسواق المالية ، اصبحت العادة عند المتداولين مشاهدة نسبة التغير في قيمة هذه العملة مقابل الدولار بشكل يومي والتحسر على عدم شرائها سابقاً ، في هذا المقال ارغب بوضع بعض النقاط المهمة للمتداولين الراغبين بالمضاربة في هذه العملة او غيرها من العملات الرقمية لعلهم يجدون بعض الفائدة في ذلك. قبل أن نبدأ المقال بإمكانك مشاهدة رسم بياني يوضح الصعود الصاروخي الرهيب لهذه العملة منذ نشأتها وحتى اليوم (سعرها وقت كتابة هذا المقال 17,500 دولار للبتكوين الواحد).

مايحدث حالياً مع غالبية المتداولين المهتمين بالمضاربة بهذه العملة هو – وللأسف الشديد – الوقود الذي يشعل النار ويحرق نفسه ، ولأن التاريخ يعيد نفسه كما تعلمنا من إحدى قواعد التحليل الفني ، سيقوم بعض المضاربين بمحاولة حرق محافظ استثمارية جديدة بدون أخذ العبرة من تداولات سابقة شبيهة بما يحدث حالياً بالعملات الرقمية ، لا أحاول ابداً في هذا المقال تثبيت الفكرة عند المتداولين بأن اسعار هذه العملات ستهبط الاسبوع القادم الى عدة دولارات ، على العكس من ذلك انا اؤمن بشكل كامل بأن كل مايحدث او سيحدث بعد هذه اللحظة هو في علم الغيب فقط الذي لا يعلمه الا الله ، قد نشهد صعود لـ 50,000 دولار او هبوط لعشرة دولار او بقاء للأسعار في مسيرة جانبية ، ولكن هذا لا يهم ، ما يهم فعلاً هو التدافع المتكرر من الاشخاص المهتمين فقط بصناعة المال دون وجود فكر ورأي يدعم هذا الطمع نحو الارباح. طبعاً المضاربة على البتكوين يكون على اجزاء صغيرة منها وليس بتكوين واحد ، أي انه يمكنك شراء 0.00000001 (وهذه اصغر وحدة من البتكوين) مقابل المال الذي تملك تماما في رصيدك او تحديد نسبة الجزء من البتكوين الذي ترغب بشراؤه وسيقوم الوسيط بحساب قيمته بالدولار لك ، ولكننا لا نحاول الدخول في آليات البيع والشراء في هذا المقال بل التركيز على أمر مختلف تماماً وهو صحة الدخول المتسرع في التداول في العملات والسلع والاسهم الصاعدة بشكل قوي بدون وجود الدراية والفهم الكامل لها. ولكن حتى يتسنى للقارئ فهم هذه الجزئية فهي تشبه طريقة التداول بالعملات عن طريق شراء عدد من اللوت لأي عملة ، تسمى البتكوين مقابل الدولار BTCUSD

والآن لنعد الى فكرة هذا المقال ، عندما تم سؤال المستثمر الاشهر والاغنى في العالم وارن بافيت عن إن كان يشعر بالندم لأنه لم يستثمر في شركات مرموقة مثل امازون وجوجل وتسلا في بداياتها وبعد ذلك شهدت الاسواق صعود مدوي لهذه الاسهم أجاب بكل بساطة وثقة “بالطبع لا اشعر بالندم على ذلك ، لأن هذه الشركات لم تناسب اسلوبي واستيراتيجيتي التي اعتمدها للاستثمار في الاسواق المالية !” ، هل لك ان تتخيل عزيزي القارئ حجم الثقة بالنفس وعدم الندم على بعض الاستثمارات الجيدة لأنها لا تناسب استيراتيجيتك انت ، بالطبع لا احد يمكنه لوم بافيت على ذلك وثروته تتعدى 80 مليار دولار وهو الذي قام – وما زال – يستثمر لسنوات طويلة في شركات أخرى اصغر بكثير من التي ذكرناها سابقاً بالقيمة المالية وتعتبر شركته الاغلى في العالم! .

قد يكون ما يحدث حالياً مع هذه العملات الرقمية مجرد فقاعة سعرية شبيهة بما حدث في اسواق الدوت كوم في امريكا منذ 1995 الى عام 2000 حيث صعد مؤشر الناسداك من 1,000 نقطة الى 5,000 نقطة ، او شبيه بما حدث في السوق السعودي مابين عام 2004 الى بداية 2006. هذه الفقاعات السعرية تتكرر بإستمرار وكالعادة لا بد من وجود مضاربين يقومون بتغذية الطلب الرهيب على هذه السلع بدون وجود خطة استثمارية او مضاربية مناسبة لذلك ، كل ما يرونه عبارة عن دولارات لا بد من الاستفادة منها ، وبأقصى سرعة ممكنة.

نظرية الإدراك المتأخر:

في إحد المرات كنت اتبادل الحديث مع متداول سابق في السوق السعودي واخبرني بأنه كان ينوي تسييل محفظته وتحويل ارباحه الضخمة في شهر ديسمبر 2005 قبل حدوث الانهيار ولكن الطمع منعه من ذلك ، بالطبع اشكك في صحة نواياه حيث ان اغلب من قابلتهم اخبروني بأمر مشابه لذلك ، وهذه آفة لا يسلم منها احد وتسمى بالإدراك المتأخر ، في نفس هذا السياق اصبحت استمع لمتداولين كثر هذه الايام يخبرونني بأنهم كانوا على نية شراء البتكوين قبل عدة سنوات ، ويقومون بحساب ارباحهم لو انهم قاموا بذلك ولم يبيعوا حتى اليوم ، هذه الطريقة من التفكير خطيرة وسلبية جداً ، لنفترض انك قمت – لسبب او لآخر – بالشراء من سعر 10 دولارات ، هل كنت ستنتظر حقاً حتى اليوم لتبيعها بسبعة عشر الف دولار ؟؟!!&*^%

وماذا لو انك فعلت ذلك لسبب لا يعلمه الا الله ، هل كنت ستشعر بالندم في حال استمرار الصعود الى خمسين الف او مائة الف دولار ، الحاصل فعلياً اننا وبشكل خطير نقوم بالنظر الى الماضي ونتحسر لو اننا فعلنا كذا وكذا ، ولذلك تراهم – عند النظر الى الشارت – يقومون بالتخيل لو انهم قاموا بالشراء من هذا القاع والبيع عند هذه القمة ، او البيع عند هذه القمة والشراء عند القاع (بالرغم من انه لا احد قادر على ذلك) ، واعني بذلك لا احد.

خلاصة الكلام:

من العدالة السماوية في الارض ان التاجر يربح بشكل مستمر في المجال الذي يفهم فيه ومازال يتعلم فيه ، وليس في المجالات الخارجة عن تخصصه ، حاول اذا كنت متخصصاً مثلا في المضاربة بالاسهم وتفهم آليتها بشكل ممتاز عدم الدخول ايضاً في العقارات والمنتجات الاستهلاكية ، التخصص دائماً في مجال واحد يعود بفوائده على التاجر والمستثمر وليس في التوسع ومحاولة الدخول في أي فقاعة سعرية جديدة لمحاولة الاستفادة منها ، وإن كنت فعلاً تشعر بالرغبة الجامحة في التداول بالعملات الرقمية فإبدأ على الفور بمحاولة فهم هذه السلع وكيفية تداولها وعملها وطريقة حركتها وكل شئ يمكنك تعلمه عنها ، وليس فقط بمتابعة الصعود القوي ومحاولة اللحاق بالركب لأنك قد تكون آخر الواصلين عندما يصل السعر (إلى القمة).

0 0 votes
Article Rating

عن فيصل السوادي

فيصل السوادي ، محلل فني معتمد CFTe وعضو بالجمعية العالمية للتحليل الفني IFTA Organization مدرب ومحاضر لاستيراتيجيات السلوك السعري و أقوم بتقديم العديد من الدورات التدريبية في التحليل الفني والإدارة المالية والحالة الذهنية والنفسية الصحيحة للتداول في أسواق المال.. للوصول الى كل نشاطات المدرب التدريبية قم بزيارة الرابط https://bettertrend.net/trainers/details/11

شاهد أيضاً

إبدأ بالتشكيك بكل ما تعرفه عن التحليل والتداول في أسواق المال

  اكتشفت مؤخراً بأن جميع ما أقوم به من خلال نشر هذه المقالات ومن خلال …

Subscribe
نبّهني عن
guest

2 تعليقات
الأكثر تصويتاً
الأحدث الأقدم
Inline Feedbacks
View all comments
turki
turki
5 سنوات

كل مقال لك يأتي بفكرة رائعة

اتمنى اشتغل معك في احد دوراتك قريباً

fouad
fouad
5 سنوات

كلام فيه من الحماس والفائذة ما لايوجد في اخرى المواقع المشهورة ……merci

قم بالإطلاع على نشرة الاسواق اليومية الجديدةعلى هذا الرابط
2
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x