تحدثنا في المقالات الثلاث السابقة عن أهم الأفكار والمبادئ التي تحدث عنها مارك دوغلاس في كتابه الشهير (تريدينق ان ذا زون).. في هذا المقال الرابع والأخير نقوم بتلخيص أهم فكرة في الكتاب والتي تستحق أن نفرد لها مقالاً خاصاً بها..
الإستمرارية
من وجهة نظري المتواضعة أهم ما تحدث عنه الكتاب هو فكرة الإستمرارية.. في مقال سابق تحدثت عن أهم عنصر يحدد الفارق الجوهري بين المضارب الناجح وبقية المتداولين بأنه قادر على تحقيق الأرباح وبشكل مستمر ( إستمرارية النتائج ) وفي هذه التدوينة نتحدث عن إستمرارية أخرى تعتمد على الإستمرارية في تطوير الفكر ( الإسلوب ) والمناسب للتداول في هذه الأسواق المالية للوصول إلى الهدف النهائي والأخير وهو الإستمرارية في تحقيق الأرباح ( النتائج )
حتى تستطيع الإستمرار في تنفيذ صفقاتك بفعالية ويعني ذلك في أقصر وقت ممكن عند ظهور نماذج واعدة على الشارت يجب أن تمتلك إسلوب محدد يمكنك من فعل ذلك بأدنى حد ممكن من التفكير وإتخاذ القرار.. يجب عليك أن تعتمد على إسلوب واضح لا تشعر معه بالتشويش والحيرة حتى تتمكن من تنفيذ ذلك.. الكثير للأسف يعتقد بأن هذا الأمر غاية في الصعوبة وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.. أنت بإمكانك الإعتماد على إِشارات سهلة جداً لتنفيذ صفقاتك مثل الشراء عند اختراق نموذج انعكاسي أو البيع عند مستويات المقاومة وظهور شموع سلبية وغيرها.. كلما كانت إشاراتك أسهل كلما إستطعت الإلتزام بها اكثر.. وكلما إلتزمت بها اكثر كلما زادت نسبة إعتمادك على هذه النماذج.. وكلما زدات نسبة إعتمادك على هذه النتائج كلما زادت استمراريتك في تنفيذ صفقاتك ( إسلوبك ) وأصبح بالتالي وبشكل آلي قابل للمراجعة والتنقيح والتصحيح.. وهذا ما يفتقده المضارب الذي يقوم بتنفيذ صفقاته بناءاً على حدسه أو توقعاته الغير مبنية على تحليل حقيقي لحركة الأسعار.. لأن هذا ( الحدس والتنبؤات ) غير قابلة للمراجعة والتطوير.. بل هي مجرد تكهنات لا يمكن قياسها بشكل رياضي أو الإعتماد عليها بشكل علمي.
هذه الإستمرارية في تنفيذ نفس الإستيراتيجيات للتداول ( بدون تغيير ) لن تمكنك فقط من مراجعة أدائك وتحسينه بل ستساعدك على الوصول إلى افضل منطقة ترغب بالوصول اليها وهي التداول بشكل عفوي وطبيعي بدون خوف او قلق او تردد.. والأهم من كل ذلك بدون إنشغال للفكر بنتائج هذه الصفقات لأنك اصبحت تملك قاعدة بيانات ( صفقاتك السابقة ) التي يمكنك مراجعتها وتحسين أدائك المستقبلي بناءاً على تحليلك لهذه النتائج لتصل لمرحلة التداول بدون خوف من الخسائر أو قلق من النتائج المستقبلية.. وعندها ستكون في منطقة وسط بين الخوف والتهور.. وهذا هو بالضبط المقصود بكلمة ( إن ذا زون )
مما سبق.. ومما تحدثنا عنه مطولاً في هذه السلسلة اعتقد بأنك اصبحت تملك فكرة واضحة أن النجاح في التداول لا يعتمد فقط على نجاحك في التحليل الفني أو المالي.. بل يجب أن تمتلك حالة ذهنية خاصة حيث أثبت الدراسات أن أغلب الناجحين في شتى المجالات يفكرون بشكل مختلف.. ما كنت أؤمن به منذ فترة طويلة هو أن النجاح الحقيقي يحدث عندما يصبح النجاح آلي تماماً.. بدون تفكير ، بدون الحاجة لإتخاذ قرارات ، والأهم من كل ذلك بدون تردد أو خوف.. وفيما يلي بعض الخطوات والمبادئ التي بإمكانها مساعدتك على التركيز على ( الإسلوب والإستمرارية في التنفيذ ) بدون التفكير في النتائج ( وفي هذه الحالة نقصد المال والأرباح ).
المبادئ الخمس الأساسية لتأكيد إستمرارية الإسلوب:
1- أي شئ يمكن أن يحدث:
هذا المبدأ مهم جداً وأساسي ولا يقبل النقاش أو الجدال.. من المتوقع جداً أن يتوافق معك خمسين مؤشر فني مختلف يؤكد صعود السعر للأعلى ولكن لأنه ( يمكن لأي شئ أن يحدث ) قد تنقلب الآية ويستمر السعر في اتجاهه الهابط بعد حدوث مصيدة للمشترين.. إيمانك بهذا المبدأ سيساعدك بشكل كبير على تقبل الحركات المفاجئة والمغايرة للتوقعات.. وستنجح بشكل مباشر بتجاوز فكرة الخيانة والمؤامرة من أطراف أخرى تقوم بتصيد بقية المضاربين.. هذا لا يعني بأي حال من الأحوال نزاهة وشفافية حركة الأسعار ولكنه يجعلك متفتح جداً لكل الإحتمالات الممكنة.. التي يمكن بسهولة اختصارها بمبدأ ( أي شئ يمكن أن يحدث ).. والتي بلا شك ستساعدك للتعامل بكل صفقة جديدة بمخاطرة مدروسة وحساب منطقي لحجم العقد والصفقة.
2- أنت لست بحاجة لمعرفة ما سيحدث لاحقاً لتحقيق الأرباح:
هذه الجملة وإن بدت لك مطاطة بعض الشئ ولكنها حقيقية.. أنت لن تستطيع معرفة ما سيحدث لاحقاً لأنه في علم الغيب.. لذلك أنت مطالب فقط بتنفيذ ومتابعة صفقاتك بدون التفكير بما سيحدث لاحقاً.. هذا المفهوم يساعدنا على التركيز على الحاضر وعدم تشويش افكارنا بمحاولة السفر للمستقبل لمعرفة ما سيحدث.. وهذا مبدأ هام لا يمكن اختزاله من فكرة الإنغماس في اللحظة ( إن ذا زون ).
3- هناك توزيع عشوائي للصفقات الناجحة والخاسرة:
بما أننا نعلم يقيناً بأنه من المستحيل معرفة الصفقات الناجحة والخاسرة سلفاً إلا أنه يمكننا التكهن بذلك بشكل دقيق بناءاً على بيانات صفقاتنا السابقة واستخراج نماذج واضحة منها.. لو أنك قمت بمراجعة المائة صفقة السابقة ولاحظت نسبة نجاح تصل إلى ستين بالمائة من مجمل الصفقات مع زيادة في رصيد الحساب بنسبة عشرين بالمائة.. فيمكن لذلك مساعدتك في توقع نتائج المائة صفقة القادمة مع نسبة الربح المتوقعة كذلك.. ولكن هذا لا يعني معرفة ترتيب نجاح هذه الصفقات وتسلسلها.. وهذا بحد ذاته مبدأ هام لزيادة الثقة عند المتداولين بعد أن يواجهوا سلسلة صفقات خاسرة على حساب محافظهم
4- استيراتيجيتك المستخدمة للتداول معناه زيادة احتمالات فقط
الاستيراتيجية التي تتبعها للتداول تعني أمر واحد فقط وهو زيادة احتمالية حدوث شئ اكثر من شئ آخر.. هذه المشكلة مازال يعاني من فهمها الكثير من المضاربين في السوق.. عندما يقومون بتعلم استيراتيجية دخول جديدة يأخذهم الحماس للبحث عن إشارات مشابهه لهذه الاستيراتيجية لفتح صفقات جديدة بدون الإحاطة بالعلم بأن أي استيراتيجية – وأنا أقصد بذلك أي استيراتيجية – تعني شيئاً واحداً فقط وهو زيادة احتمال تحقيق ربح من هذه الصفقة.. عندما يصل السعر لمستوى دعم وتتكون شمعة ايجابية مثل بالعة او بن بار فهذا يعني احتمال مشاهدة ارتداد ايجابي فقط من هذا المستوى وليس تأكيد لذلك ، المخاطرة الزائدة عن الحد والتعلق المبالغ به بنتيجة صفقة واحدة يعني إيمان المضارب بشكل كامل بالإتجاه القادم للسعر.. وهذا يلغي بالكامل النقطة رقم خمسة أدناه.
5- كل لحظة في السوق هي لحظة فريدة من نوعها
المخاطرة الحقيقية عندما تتوقع نتيجة صفقة معينة وتتعلق بهذه الصفقة وتتفاجأ عندما يتحرك السعر بشكل مختلف هي أننا نعتقد أنه بسبب ظهور هذا النموذج معناه أن أية حركة مخالفة لتوقعاتنا تعني خلل ما في السوق.. ولكن ما نغفل عنه أن كل لحظة في السوق تعتبر بالفعل لحظة فريدة من نوعها سواءاً بعدد المضاربين الذين تفاعلوا مع هذه الصفقة الجديدة.. كمية الأموال (والعرض والطلب) عندما ظهر هذا النموذج.. توقعات المضاربين المختلفة ومستوياتهم المستهدفة ووقف خسارتهم.. الأخبار السياسية والإقتصادية التي رافقت هذه اللحظة الخ من العوامل التي لا يستطيع احد حصرها والخاصة بكل لحظة على حدى.. حتى تستطيع أن تتكيف مع حركة السعر الحالية حتى لو كان عكس توقعاتك يجب أن تعلم بأن ما حدث سابقاً لا علاقة له بالمعطيات الحالية التي تحرك الأسواق.. إيمانك بهذا التفرد بالنسبة للعوامل التي تؤثر على حركة الأسعار معناه استسلامك للواقع – وهذا بالمناسبة أمر ممتاز -–وسيساعدك شيئاً فشيئاً للدخول في مرحلة ( إن ذا زون ).
الختام:
هذا الكتاب والذي لا اعلم كم مرة قمت بقرائته وتلخيصه ودراسته يعتبر حجر أساس للمضاربين الذين يرغبون بتحقيق درجات افضل بالنسبة للحالة الذهنية للمضارب الناجح بالإضافة لكتب أخرى رائعة سأقوم بذكرها لاحقاً وتلخيص أفكارها والتي تركز على نفس المفهوم.. اصبحت قناعتي الشخصية منذ عام 2015 تميل إلى الإعتقاد بأن الحالة الذهنية الصحيحة ( سيكلوجية المتداول ) تلعب دوراً هاماً وعنصر حاسم لا يقل عن 60% من عوامل النجاح لدى المتداولين.. ولهذا اصبح تركيز هذه المدونة يميل تقريباً بالكامل للحديث عن هذا المفهوم..
وقناعاتي الشخصية ايضاً تميل إلى الإعتقاد بأنك محلل فني ممتاز.. ولكن التحليل الفني ( أو المالي ) ليس كافياً لتصبح مضارباً ناجحاً قادر على تحقيق الأرباح ( بإستمرار ) بدون الدخول في حالات اليأس والحيرة والإرتباك والخوف.. وهذه الإستمرارية في تداولاتك اليومية بكل اريحية وهدوء وسلام نسبي بالرغم من حالة عدم اليقين من توجه حركة الأسعار المستقبلية وتقلباتها العنيفة ومن عواطفك ومشاعرك المتأججة وانت تشاهد تحركات هذه الأسعار صعوداً وهبوطاً سيكون لها أثر كبير في تحسين حالتك الذهنية للإستمرار في هذا العمل الصعب وتحقيق المستحيل..
“تذكر دائماً بأن السوق يعطينا معلومات واضحة عن حركة الأسعار كوضوح الشمس.. ولكن ربما أفكارنا هي الغيوم الملبدة التي تحجب عنا هذا الوضوح”
كل ما عليك عمله هو تطوير نفسك والإستمرار في التحسن ومراقبة أخطاؤك وتصحيحها والتركيز بعض الشئ على تطوير مهاراتك الذهنية.. وقبل كل هذا الإعتماد والتوكل على الله سبحانه وتعالى لإرشادك إلى طريق النجاح في هذا المشوار الطويل والمضني..
والشيق ايضاً..
أتمنى لك خالص التوفيق في هذه الرحلة المثيرة.
لو سمحت يا استاذنا الفاضل
ترشح لنا باقى الكتب فى سيكلوجية المتداول
اليك الكتب التالية
The disciplined trader
Trade Mindfully