ترندات برايس اكشن
ليلة البارحة كنت في سهرة لطيفة مع بعض الأصدقاء من داخل الوسط المالي.. سألني أحدهم عن صفقة حالية لسهم كنت قد إشتريت به سابقاً فأخبرته بأن السعر يسير حاليا عكس توقعاتي والصفقة حالياً تسجل خسارة عائمة.. إستغرب الرجل وقام بالتعليق بقوله “ولكنك محلل فني بارع”.. فكيف حدث ذلك؟ ابتسمت لعفويته وألقيت عليه محاضرة طويلة عن ” البراعة في التحليل ” وبأن هذا الأمر لا علاقة له بشكل مباشرة بحركة السعر القادمة.. وفي هذا المقال اختصر لك بعض ما أتذكره من تلك الخطبة الطويلة التي ألقيتها عليه.. وهي كالتالي:
التحليل الفني (الحالي) لا علاقة له بحركة السعر القادمة:
قبل أن تشعر بالإستغراب من هذا العنوان دعني أشرح لك ما اقصده بالرسم أدناه حتى تصبح الفكرة واضحة تماما لك..
في الشكل رقم 1 تلاحظ عودة السعر مرة أخرى لمستوى دعم سابق بالإضافة لتكون نموذج انعكاسي ايجابي ( وتد ) على الشارت وقريب جدا من مستوى الدعم.. هذه تحمل اكثر من اشارة إلى أنه من المتوقع حدوث ارتداد ايجابي بنسبة لا تقل عن 66% اكثر من حدوث كسر لمستوى الدعم بنسبة 34%.. الدائرة الحمراء في الشكل توضح نقطة دخول شراء عند مستوى الدعم واختراق لنموذج الوتد الذي تكون قريب من مستوى الدعم..
في الشكل رقم 2 نلاحظ أحد السيناريوهات المتوقعة وهي صعود السعر ووصوله للهدف بعد الإشارات الإيجابية التي تحدثنا عنها سابقا في الشكل.. أنت سعيد بهذه النهاية ولكن دقيقة.. قد تحدث سيناريوهات اكثر وانت تعلم ذلك.. لنلقي نظرة على الشكل رقم 3 بالأسفل…
في الشكل رقم 3 نلاحظ أن السعر تحرك بشكل طبيعي بعد تفعيل الصفقة في منطقة الدائرة الحمراء قم هبط للأسفل وكسر مستوى الدعم وقام بعمل إعادة اختبار لمستوى الدعم واكمل بعد ذلك مسيرته الهابطة.. وبالتالي خسارة لصفقة الشراء.
هذا الشكل والذي يتكرر بإستمرار في اسواق المال يجعلنا نقوم بعمل تفسيرات خطيرة جدا على حالتنا النفسية بدون أن نعي ذلك.. في السيناريو الأول عندما قام السعر بالوصول للهدف شعرنا بالسعادة والفخر وتوقعنا بشكل خاطئ بأن ما حدث كان نتيجة طبيعية ” لبراعتنا في التحليل ” ولنقطة دخولنا النموذجية في السهم.. في السيناريو الثاني عندما سار السعر عكس توقعنا قمنا بربط ذلك بشكل خاطئ بسوء الحظ والطالع الذي يرافقنا بإٍستمرار أو بسبب التحليل الفني الذي دائما ينجح عندما نراقب الصفقة من بعيد بدون أن ندخل في الصفقة فعليا ويفشل عندما نقوم بتفعيل الصفقات.. هذه التفسيرات وغيرها ليست فقط سلبية وتؤثر بشكل مباشر على حالتنا النفسية ولكنها ايضا خاطئة تماماً.. الأسعار الحالية هي انعكاس طبيعي لقوى العرض والطلب الحالية.. وليست بسبب قوى الطلب والعرض السابقة.. قم بقراءة تفسير ذلك أدناه حتى تتفهم فكرة أن خسارتنا أو ربحنا لصفقة ليس بالضرورة بسبب سوء أو حسن حظنا ولكن عملياً ذلك يتبع أمور أخرى.. مثل:
ما يحدث لاحقا ليس نتيجة ما حدث حاليا:
التحليل الفني عبارة عن دراسة للماضي لتوقع المستقبل (وليس لتأكيد المستقبل).. عندما تدخل في صفقة مشابهه للرسم أعلاه وتنجح الصفقة بالوصول للهدف فذلك حدث لأنه بعد دخولك في الصفقة قام متداولون آخرون بتوقع أن السعر سيرتفع ايضا فقاموا بتفعيل صفقات شرائية ايضا وبالتالي زاد الطلب فإرتفع السعر.. وعندما يعاكسك السعر فذلك يحدث لأن المتداولون الآخرون توقعوا هبوط للسعر فقاموا بالبيع فزاد العرض عن الطلب.. الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية عن ذلك هو أننا لا نستطيع أن نتحكم – أو نتوقع – بالحوادث التي قد تحصل في المستقبل بعد تفعيلنا لصفقاتنا الحالية.. تخيل معي شرائك لسهم واعد بسعر ممتاز ولكن في اليوم التالي تظهر بعض الأخبار السلبية التي تهبط بالسعر بشكل مفاجئ.. أو حدث سياسي او اقتصادي غير متوقع تكون آثاره كارثية عليك.. هل لذلك الحدث أي علاقة بسبب دخولك في السهم؟ بالتأكيد لا.. هل يجعلك ذلك تشكك في قدرتك وبراعتك في تحليل الشارت؟ بالتأكيد لا ايضا.. وعلى نفس المنوال لو ظهرت اخبار – أو إشاعات – إيجابية على السهم بعد أن قمت انت بشراؤه وارتفع بشكل سريع الى الهدف.. هل لذلك علاقة مباشرة بقدراتنا الخارقة على اختيار افضل نقاط الدخول في الأسهم.. أتمنى بأن الفكرة اصبحت واضحة الآن..
أنت محلل فني بارع ( في الحاضر والماضي فقط ):
لنفترض بأنك قمت بتحليل السهم اكس ووجدت انه حاليا مناسب للدخول عند سعر 13.00 ريال وقمت فعلا بتفعيل الصفقة وكان المستوى المستهدف 14.00 ريال.. مالذي ستفعله انت حقا بعد تفعيل الصفقة عند سعر 13.00 ريال.. فعليا لن تقوم بشئ سوى بمتابعة حركة السعر بعد تفعيل الصفقة.. ما سيحدث لاحقا ًمن احداث سياسية واقتصادية وتوقعات بقية المضاربين والتي أثرت بشكل مباشر على قوى العرض والطلب وصعود السعر من نقطة دخولك انت عند 13.00 ريال الى مستواك المستهدف 14.00 ريال لا علاقة لك به اطلاقا ولم يكن لك يد فيه.. إذا كانت هذه هي الحقيقة البديهية فلماذا نشعر احيانا بأننا عباقرة عند نجاح صفقاتنا وفاشلين في حال خسارة الصفقة.. العيب الوحيد الذي تلام عليه انت وانا هو في حالة تفعيل الصفقات ( في الحاضر ) بشكل خاطئ يخالف استيراتيجياتنا التي نعمل عليها.. معنى ذلك اننا نلوم انفسنا ونصحح اخطاؤنا في حال أخطأنا فقط في ( التنفيذ ) ولا يجب أن نلوم انفسنا على ( النتائج ).
البراعة في التحليل والبراعة في التداول:
هناك إختلافات جوهرية بين المحلل الفني والمضارب.. المحلل الفني المحنك ليس بالضرورة مضارب ناجح.. الكثير من المحللين الفنيين يقومون بتحليل ما حدث في الماضي ببراعة بعد انتهاء الحدث نفسه وهذا ما نراه بإستمرار في اسواق المال.. المضارب الناجح هو الذي يقوم بتفعيل صفقاته بناءا على تحليلاته الحالية والمراهنة عليها ويعلم مسبقاُ بأنه يحتاج إلى مضاربين آخرين يشاركونه نفس الشعور بعد تفعيله هو لصفقاته.. لذلك ليس بالضرورة أن تعتقد بشكل خاطئ عندما تقابل محلل فني ناجح أنه ايضا مضارب ناجح.. هناك فرق شاسع بين الإثنين.
الختام
إياك ثم إياك ان تعتقد بأي شكل من الأشكال بأنني في هذا المقال انتقد التحليل الفني بأي شكل كان.. على العكس تماماً جميع من يعرفني بشكل شخصي يعرف أنني محلل فني بحت أقوم بتفعيل صفقاتي في السوق بناءاً على الإشارات الفنية فقط ولا أقوم بمتابعة الأخبار السياسية والإقتصادية وغيرها.. بالإضافة إلى أنني أرغب في هذا المقال أن أساعدك على أن تكون اكثر رقة في التعامل مع نفسك عندما يقوم السعر بعكس بتوقعاتك لأن ما يحدث للصفقة بعد تفعيلها أمر خارج عن إرادتك بالكامل.. أنت مطالب فقط بأمور سهلة مثل تحديد نقطة دخول مناسبة لاستيراتيجيتك.. اختيار حجم العقد المناسب لرأس مالك.. تحديد المستوى المستهدف بناءا على تحليلك الفني ثم مراقبة السعر بعد تفعيل الصفقة لإتخاذ طرق وقائية مثل التعزيز والتحوط أو لإغلاق الصفقة مثلا في حال ظهور اشارات واضحة توحي بإنعكاس قادم للسعر وهكذا.. ما عدا ذلك من ممارسات يقوم بها المضاربين في السوق بعد خسارتهم لصفقة او لصفقات متعددة لا علاقة له فعليا بما حدث في السوق نفسه بعد تفعيل الصفقة..
