لن اقوم بإجابة هذا السؤال على الفور.. ولكن ارغب بدلاً من ذلك أن أشرح لك سبب تعلق المضاربين في اسهم وصفقات لفترة طويلة بدون إغلاقها رغم أن السعر يسير عكس ما تم توقعه مسبقاً.. وهذه الخسارة التي كانت بسيطة في البداية اصبحت قاسية جداً بعد ان ابتعد السعر لمسافة كبيرة من نقطة الدخول.. وتم تجميد رأس المال لفترة طويلة بدون الإستفادة منه وبالتالي اصبح العائد الإستثماري مقارنة بالزمن ضعيف جداً في محافظهم الإستثمارية ، في البداية ، دعنا نأخذ الشكل الإفتراضي أدناه لنعلم كيف بدأت الصفقة ونتمكن من تحليلها بشكل محايد..
في هذا الشارت قام المضارب بمراقبة السهم ووجد أن السعر قد هبط من مستوى 30.00 ريال الى مستوى 20.00 ريال وقام بتكوين مستوى دعم أولي في اتجاه هابط قوي.. بسبب هبوط قيمة السهم لحوالي %35 من قيمته السابقة وبعد وصوله لمستوى توقف عنده السعر لفترة محدودة بدأ السهم يثير اهتمام هذا المضارب.. وقام على الفور بحساب ارباحه لو قام بشراء عدد اكس من الاسهم وصعد السعر الى قمته السابقة عند 30.00 ريال.. أو على اقل الأحوال الى نصف قمته السابقة عند سعر 25.00 ريال.. وكم من الأرباح – ستسقط عليه من السماء – عندما يقوم بضرب عدد الأسهم التي اشتراها بصافي الربح 10 او 5 ريالات بناءاً على الصعود المتوقع للسهم.. وووو
بداية.. انا وانت نعلم بأنك لن تصبر حتى يصعد السهم الى سعر 25.00 ريال او 30.00 ريال لأنك ستقوم بالبيع على الفور في حال تحرك السعر للأعلى بسبب الخوف الطبيعي من خسارة الأرباح العائمة.. ولكن هذا ليس موضوع هذا المقال.. ما أرغب بالحديث عنه هو السيناريو المتوقع ( وأسبابه ) في حال عكس السعر لتوقعات المضاربين واستمر في مسيرته الهابطة السابقة ، لنرى بقية الشارتات ونتحدث عنها..
والآن نرى على الشارت السابق أن السعر قام بكسر مستوى الدعم واستمر في الهبوط.. ولكن العجيب أنك ما زلت في هذه الصفقة.. وقد يستمر هذا الانتظار لأسابيع وشهور في السوق ويتم بعد ذلك تكرار نفس الإجابة التي تسمعها عندما تسأل احدهم عن السوق فيجيبك على الفور ( والله متعلق في ….) ، ولكن ألم تسأل نفسك سابقاً كيف يمكن لمضارب يحترف التحليل الفني لسنوات طويلة يمكن ان يقع في هذا الفخ ويستمر في خسارة رأس ماله بالرغم من أن حركة السعر أمامه واضحة جداً.. السبب في ذلك تقف خلفه تركيبتنا البيولوجية المعقدة جداً والتي تسبب لنا حالة تعرف بإسم الإنفصال عن الواقع.
الإنفصال عن الواقع
عادة يتعرض الإنسان وبشكل متكرر للإنفصال عن الواقع بسبب الأحداث الدرامية التي يتعرض لها والتي قد تحدث بشكل جزئي او بشكل كلي ، مثلاً قد تدخل في حالة انفصال عن الواقع عندما تتعرض لحادث سيارة لا سمح الله وتستمر لفترة لا تصدق فيها بأن هذا حدث لك بالرغم من أنه واقع أمامك ، وقد يتعرض له الإنسان ايضاً عندما يتلقى خبر مرض او وفاة احد الاشخاص القريبين الى قلبه فيصبح في حالة يقين بأن ذلك ما حدث فعلاً ولكن عقله يرفض تصديق هذه الواقعة.. الجهة المسؤولة عن هذه الإضطرابات تحدث بعد تفاعلات كيميائية معقدة في دماغ الإنسان والتي تتحكم بالعواطف وبالتحكم المباشر بعد تعرضك للخسارة والحزن.. وهو ما يحدث حرفياً عند التداول.. عندما يقوم السعر بعكس اتجاهه فإن ذلك يصيب العقل الغير مدرب بحالة من الشلل الفكري التي تمنعه من إتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
ما قد يقوم بتقوية هذا الشعور وهذا العجز عن التحرك السريع يعود إلى عدة عوامل تدور داخل عقل المتداول بدون وعي منه ، ومن هذه الأسباب ما يلي:
1- التفكير في اتجاه واحد فقط للسعر:
لنكن صريحين بعض الشئ مع انفسنا على الأقل.. هل تقوم بالتفكير في الاتجاه المستقبلي للسعر عندما تقوم بالشراء من مستوى دعم على سبيل المثال.. 95% من المتداولين الذين يقومون بالشراء عند السعر 20.00 ريال كما في الشارت أعلاه كانت أعينهم معلقة فقط على الصعود للسعر وتوقع وصوله لـ 21.00 او 22.00 او 25.00 ريال.. وبعضهم قام بحسبة الأرباح ( عدد الأسهم * مستوى الربح في السهم الواحد ) بعد تفعيل الصفقة مباشرة ، معنى ذلك أن عقولنا كانت تسير بدون وعي نحو أن السعر سوف يصعد لا محالة.. ولكن بعد أن هبط السعر ووصل لمستويات دنيا توقف عقلك عن تزويدك بحلول مناسبة لهذه المشكلة حيث أنك قمت بالتركيز على اتجاه واحد للسعر. ولذلك استمر السعر بالهبوط بدون أن تقوم انت – كمتداول واعي ومحترف – بإتخاذ قرار مناسب بإنهاء هذه الصفقة على الفور. وذلك بسبب أن (الواقع) كانت مختلفاً جداً في الإتجاه عن (الإفتراضي) ، وهذا السبب بحد ذاته كفيل بإصابة عقل المتداول بشلل وعجز عن القدرة عن تحليل الواقع بشكل محايد ومنطقي.
2- عدم وجود الخطة ( ب ):
في الكثير من الدورات التدريبية السابقة التي كنت أقدمها كنت اقوم في البداية بشرح استيراتيجية دخول معينة للمتدربين.. ثم اقوم بتفعيل صفقة على السوق إن توافرت الشروط وأقوم بإيضاح اماكن الدخول ووقف الخسارة والمستوى المستهدف للمتدربين بناءاً على ما قمنا بدراسته.. وحينها كانت تأتيني أسئلة متوقعة حول الاستيراتيجية التي قمنا بشرحها ومناطق الدخول وهذا أمر طبيعي جداً.. الغريب في الأمر أن نسبة لا يستهان بها من المتدربين كانوا يتعجبون عندما أقوم بإخبارهم عن منطقة وقف الخسارة ، وكانوا يعتقدون بأن استخدامنا لوقف الخسارة من الكماليات التي لا ضرورة لها بسبب قوة النموذج الحالي على الشارت.. لا عجب إن علمت على الفور بأن هؤلاء المتداولين هم من يتعلقون في السوق لفترة طويلة لأنهم لا يملكون خطة بديلة عند تنفيذ صفقاتهم في السوق.
من اول المستويات التي اقوم بتحديدها على الشارت هو المستوى الذي سأقوم بالتركيز عليه عند تنفيذ صفقة جديدة هي منطقة الخروج من الصفقة وهي المنطقة التي يجب علي أن أقوم بتفعيل صفقة معاكسة لصفقتي الأولى الأساسية.. معنى ذلك أنني احياناً أدخل بالشراء ولكن اكون على يقين بأن السعر إن وصل إلى النقطة اكس فسأقوم بإغلاق الصفقة الأولى الشرائية وسأصبح على الفور من البائعين.. أو كما يشتهر بالتعبير الرائج في وول ستريت ” تباً للولاء في أسواق المال.. عند ظهور اشارات معاكسة فإنني اتحول من النظام الدببي الى النظام الثوري في لمحة عين ” النظام الدببي والثوري كما تعلم تطلق على المشترين والبائعين.
انظر للشارت أدناه لتفهم الفكرة بالخطة ( ب ):
كما لاحظت من الرسم أعلاه.. ليس فقط يجب علي كمتداول واعي لحركة السعر بأن أقوم بإقفال الصفقة الشرائية بعد هبوطها تحت الكتف الايمن ( وعدم التعلق بصفقة خاسرة لفترة طويلة ) بل وسأزيد على إقفال الصفقة الشرائية بتفعيل صفقة بيع معاكسة للصفقة الأولى وليس ذلك من باب التحوط ولكن من باب مراقبة حركة السعر اللحظية وعدم السماح للعقل بأن يصل لمرحلة الشلل الفكري التي تمنع المتداول من اتخاذ قرار مناسب بعد الحركات السعرية الطبيعية في السوق.
3- الربط غير المنطقي للصفقات بعضها ببعض:
هذه النقطة مهمة جداً للمتداولين بالأسواق المالية وذلك عندما يقومون بشكل خاطئ بربط صفقات سابقة بصفقات حالية ويعتقدون بشكل خاطئ بأن ما حدث سابقاً قد يحدث لاحقاً.. لتوضيح هذه النقطة المهمة تخيل معي بأن المضارب اكس قام بشراء سهم عند سعر 30 ريال وعندما هبط السعر الى مستوى 27 ريال للسهم ( خسارة ثلاثة ريالات للسهم الواحد ) قام هذا المضارب بإغلاق الصفقة والخروج من السهم.. لسبب غير مفهوم – بالنسبة للمضارب على الأقل – قام السعر على الفور بعد إغلاق الصفقة بالعودة مرة أخرى الى نقطة الدخول سعر 30 ريال ثم واصل صعوده حتى استقر عند سعر 34 ريال..
مالذي تعتقده في نظرك بأن هذا المضارب سيفعل عندما يقوم بتفعيل صفقة اخرى على سهم آخر ويهبط السهم ثلاثة او اربعة ريالات من نقطة الدخول.. هذا المضارب سيقوم بشكل غير واعي بتذكر حسرته السابقة عندما قام بإغلاق الصفقة بخسارة ثلاثة ريالات ليشهد بعدها عودة للسعر لنقطة الدخول ومن ثم صعود للمستوى المستهدف.. لذلك هو سيقوم بتطبيق نفس الأمر الآن ولكنه لن يدع السوق يضحك عليه مرة أخرى.. للأسف هذه المرة لاحظ المضارب ان السعر مستمر بالهبوط وبأن كل ارتداداته الايجابية تكاد لا تذكر ، واصبح الآن متعلق بخسارة ضخمة مقارنةً بما كان مقرر لها مسبقاً.. واصبح يجد صعوبة كبيرة في تقبل مبلغ الخسارة الهائل مع إدراكه الكامل بأن بيعه للسهم بسعره الحالي معناه ان الخسارة العائمة اصبحت خسارة حقيقية.. لذلك يفضل أن يبقى متعلقاً بسهمه وبخسارته بدلاً من بيعها.
فيما سبق قمنا بعرض نسبة من اسباب التعلق في اسهم وعملات خاسرة لفترة طويلة وتجميد لرأس المال المتبقي ، ذكرت في تغريدة سابقة عن كيفية امكانية التداول بدون خسائر وذلك بالتوقف الكامل عن المضاربة في الاسواق المالية.. اذا كنت جاداً بالنسبة لمستقبلك للنجاح في هذا السوق فإن من ابجديات التداول الإيمان الكامل بأن أي صفقة جديدة معرضة للخسارة بنسبة النصف مهما زادت الاشارات التأكيدية التي تدعم نقطة دخولك ، وتذكر من اليوم وصاعداً بأن أي تعلق مستقبلي لك في صفقة خاسرة معناه انك ما زلت لم تقبل بقوانين السوق الأساسية ، وبالتالي لن يتم السماح لك بالوصول للمستوى الذي ترغب انت بالوصول اليه..
وستبقى للأسف مكانك سر.. وبعد فترة ليست بالطويلة سيمل الناس من سماع قصتك المتكررة حول تعلقك في أي صفقة تقوم بتنفيذها في السوق.
تشكر على المقالات الرائعة والعطاء بلا حدود، والأسى على مافات مرض نفسي يزيد وقع الخسارة ويغرق الإنسان في وحول الفكرة المتسلطة والشلل الفكري والإنفصال عن الواقع ليصحو بعد فوات الآوان بأن الحل البسيط كان أمامه في صندوق مقفل
شكرا لك أستاذ فيصل على هذا الموضوع .
I couldn’t resist commenting. Very well written!
Google
Please check out the websites we stick to, such as this 1, because it represents our picks in the web.