الأحد , مايو 28 2023

المفارقة بين سنوات الخبرة في التداول والنتائج الفعلية للمضاربين‎

من المنطقي والطبيعي ان يبدأ جميع المضاربين بخسائر متتالية قد تمتد لسنوات قبل أن يقوموا بتعديل مسارهم الى طريق النجاح وتحقيق الأرباح في التداول.. ومن المنطقي والطبيعي ايضا ان يستمر المتداول في دوامة مستمرة من الخسائر حتى بعد مرور سنوات طويلة من التداول والتي نفترض انه اكتسب فيها خبرات كبيرة واصبح صاحب تجربة عريقة في الأسواق المالية.. كل هذا مفهوم ويمكن استيعابه حيث أنه لا احد يستطيع أن يتنبئ إن كان المتداول الف او المتداول باء قد يستطيع – في يوم ما – أن يغير نتائجه من الخسائر المستمرة الى الارباح المستمرة وينضم لنادي لا يزيد عن 5% من المضاربين القادرين على تحقيق ارباح مستمرة.

لكن الغير منطقي بتاتا – والغير طبيعي ايضا – هو إستمرار الكثير من المضاربين على نفس المنوال من الممارسة لإسلوبهم في التداول وتوقع نتائج مختلفة في المستقبل.. حتى تتضح لك الفكرة اكثر سأستخدم مثال على الموظفين في الشركات الخاصة والدوائر الحكومية حيث أن الإحصاءات تشير إلى أن النسبة الأكبر من المتداولين في الأسواق المالية هم من فئة الموظفين..

الموظف ( حسن ) تخرج من الجامعة وإلتحق بشركة خاصة مرموقة براتب جيد في بداية عام 2010 كمسؤول مبيعات وتسويق.. في بداية عمله وبشكل طبيعي حاول أن يتعلم كل ما يمكنه عن هذا المنصب الجديد مثل شرائح العملاء لدى هذه الشركة.. العملاء المستهدفين مستقبلا للشركة.. خطط التسويق المستخدمة الخ.. استمر هذا التعلم لمدة سنة واحدة حتى نهاية عام 2010 ثم.. ثم هذا كل شئ!..

بعد إتمام تسع سنوات كاملة في الشركة (وقت كتابة هذا المقال بداية عام 2019) مازال الموظف (حسن) يشعر بالإستغراب الشديد لماذا مازال على نفس منصبه القديم مع زيادات هزيلة في الراتب بشكل سنوي بدون أن يتقدم ويصبح مدير المبيعات او مدير التسويق في الشركة.. أو لماذا لم تنهال عليه عروض من شركات منافسة نتيجة لمهارته الخارقة في المبيعات.. أو لماذا لم يستطع على تحقيق لقب موظف المبيعات السوبر في الشركة.. قارن هذا الموظف مع موظف آخر مستمر في التعلم والممارسة وقضاء وقت اطول في محاولة كسب شراكات جديدة مع مؤسسات مختلفة وتقديم عروض وباقات تسويقية مع شركاء استيراتيجيين.. وفي نفس الوقت مع إطلاع كامل على افضل طرق الإقناع والتسويق والبيع وتطوير شخصية حاضرة يمكنه معها تحسين فرصه في إنهاء صفقات حاسمة للشركة التي يعمل بها.. هل بإمكانك ملاحظة الفارق الضخم بين هذا الموظف وذاك.. هل مازلت تعتقد إلى الآن بأن الترقيات والمناصب يتم توزيعها في الشركات والدوائر الحكومية بسبب واسطات او خدمات خاصة يقوم بتقديمها الموظفين لمدرائهم خارج الدوام.. وهل ما زلت تعتقد حقاً بأن المضاربين القادرين على تحقيق نتائج ايجابية وبشكل مستمر بسبب الحظ فقط.. إذا اكمل قراءة هذا المقال.

سنوات الخبرة:

من اعظم الاخطاء التي يقوم بها المضاربين في الأسواق المالية – أو الموظفين في الشركات الخاصة – هو ربط النتائج والخبرة والحنكة بسنوات العمل.. هذه المقارنة غير صحيحة على الإطلاق.. لا يمكن بأي حال من الأحوال تحديد أي مضارب افضل من الآخر بالإعتماد فقط على سنوات الخبرة.. ليس من المنطقي أبداً الإعتقاد بأن المضارب الذي بدأ قبل عشر سنوات بالتداول افضل واكثر خبرة وفهم وعلم من مضارب آخر بدأ قبل ثلاث سنوات فقط بدون النظر إلى (جودة) هذه السنوات.. أو إلى ماحدث فعليا خلال هذه السنوات.

عقولنا كبشر تحاول بشكل بديهي الإعتماد على فهم مبادئ بسيطة وبرمجتها داخل المخ والعمل بها طوال حياتنا.. هل ما زلت تذكر الأشهر المتتالية التي قضيتها في تعلم قيادة السيارة.. هل قمت بملاحظة ما حدث بعد أن تعلمت كيف تقود السيارة بشكل آمن.. منذ ذلك الوقت تقريبا توقف موضوع التعلم لأنك اصبحت قادراً على قيادة سيارة داخل شوارع وطرقات مزدحمة وبشكل آمن لذلك لم يعد للعقل حاجة في حثك على الإستمرار اكثر من ذلك.. التعليم وزيادة المهارات يحتاج لطاقة وجهد متواصل لذلك يحاول العقل بشتى الأشكال فهم اقصر طريقة يمكنها معها العمل بهذه المهارة الجديدة ثم يتوقف عن استقبال معلومات جديدة إلا في حالة قمت أنت بحثه على عمل ذلك.

لذلك نجد المتداول يحضر دورة تدريبية معينه لمدة اسبوع او اسبوعين ثم يقوم بالتطبيق عليها لإسبوع آخر ثم.. ثم ينتهي كل شئ.. يبدأ فقط بالبحث عن فرص شراء وبيع بناءا على هذه الاستيرايتيجيات الجديدة التي تعلمها.. وعندما يخسر بالتأكيد بعد عدة أشهر يبدأ بالبحث عن استيرايتيجية أخرى.. ودورة تدريبية أخرى.

ملاحظة مهاراتك انت في التداول:

أرغب منك حقا في أن تقوم بالتمرين الآتي.. أريد منك أن تقوم بتحديد السنة التي بدأت تعلم المضاربة بها.. لنفترض انها كانت في عام 2014.. أريدك بعد ذلك أن تتذكر قدر الإمكان مالذي فعلته منذ ذلك العام الى يومنا الحالي (2019 حاليا).. كم عدد الدورات التي حضرتها؟ كم مرة تجلس يوميا امام الشاشة للتعلم وليس للتداول فقط؟ ما هو معدل الساعات اليومية التي تقضيها عادة امام الشاشة للتطبيق على ما تعلمت؟ عدد الكتب التي قرأتها؟ المقالات والأبحاث العلمية التي اطلعت عليها؟ لا أرغب بمفاجئتك حقيقة حيث أنني اتمنى ان تقضي بعض الوقت في هذا التمرين ، ولكنك ستتفاجأ حقا عندما تجد أن هذه السنوات الخمس على سبيل المثال لا تتعدى عدة أيام من العمل والتعلم.. أما بقية الوقت فهي للتداول او للبحث عن استيراتيجيات اخرى او للاستماع لتوصيات المضاربين الآخرين!

إياك في أي وقت أن يصيبك الغرور بعدد سنوات الخبرة التي تمتلكها حاليا.. إعتقادك الخاطئ بوصولك للقمة معناه أنه لا يوجد مستوى جديد تستطيع الوصول اليه.. المسار الوحيد الذي يلي الاشخاص الذين يعتقدون انهم وصلوا للقمة يكون غالبا في التصحيح والهبوط للاسفل.. قم دائما بالتركيز على جودة الوقت الذي تقضيه في التداول ولا تلتفت كثيرا لعدد السنوات منذ أن بدأت هذه المهمة.. سنوات الخبرة الخادعة تعطي انطباع خاطئ لدى الكثير بأنهم قدموا كل شئ ولم يتبقى لهم أي شئ جديد ليتعلموه.. للأسف هم لديهم غرور كبير بما يعرفونه وليس لديهم معرفة بكمية الغرور التي لديهم.. وهذا بإختصار قمة الغرور..

وفي اسواق المال نستطيع ان نسميه قمة الخسائر..

والأوهام..

0 0 votes
Article Rating

عن فيصل السوادي

فيصل السوادي ، محلل فني معتمد CFTe وعضو بالجمعية العالمية للتحليل الفني IFTA Organization مدرب ومحاضر لاستيراتيجيات السلوك السعري و أقوم بتقديم العديد من الدورات التدريبية في التحليل الفني والإدارة المالية والحالة الذهنية والنفسية الصحيحة للتداول في أسواق المال.. للوصول الى كل نشاطات المدرب التدريبية قم بزيارة الرابط https://bettertrend.net/trainers/details/11

شاهد أيضاً

على من تقع المسؤولية عند خسارة مضارب أو تعلقه بصفقة جديدة في السوق؟

  في الفيديو الاخير تحدثت عن المسؤولية وقت التداول وكيف أن الإشارة باليد إلى الجميع …

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
قم بالإطلاع على نشرة الاسواق اليومية الجديدةعلى هذا الرابط
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x