ما هو توقعك المبدئي لتطبيق جديد يمكنك تنزيله على جوالك وتكون مهمته الأساسية هي (أن لا تقوم بعمل أي شئ خلال تشغيل هذا التطبيق) ؟!
هل تعتقد بأن تطبيق كهذا (والذي هدفه الرئيسي هو أن يشعرك بالملل) أن ينجح في عدد مرات التحميل والإستخدام ؟!
الإجابة السريعة والصارخة هي بالتأكيد لا.. كل التطبيقات بلا استثناء هدفها الرئيسي هي قتل الملل وجذبك لإستخدام هذه التطبيقات.. وكلما زادت فترة جلوسك واستخدامك لهذه التطبيقات كلما كان افضل..
وكلما كان مؤشر على نجاح هذه التطبيقات..
وهذا هو بالضبط ما يمنعك من تحقيق بعض الابداع والالهام والتطور عندما تقوم بالتداول في أسواق المال..
محاربة الملل وكأنه داء خطير أو وباء منتشر يمنعك من التقدم في حياتك العملية بشكل واضح.. ولأن مقالاتنا تصب في واقع التداول في أسواق المال فإسمح لي أن أشرح لك مالذي تفعله انت بالضبط عندما تقوم بالتداول..
وقت التداول
وصلني اتصال قبل عدة أيام من أحد المتداولين يخبرني بأنه يشعر بإضطراب وتوتر من حركة السوق وبأن النماذج الفنية التي يراها على الشارت غير منطقية بعض الشئ..
واستطرد قائلا بأن افضل ما يجب القيام به الآن هو أن يتوقف عن التداول لبقية اليوم..
توقف بعض الشئ عن الحديث وكأنه ينتظر مني أن أقوم بتقديم اقتراح او نصيحة أو على الأقل أوافقه على ما يفكر فيه.. ولكنني التزمت بالصمت (وهذا أمر غريب لم أتعود القيام به حقيقة)..
عادة ما أقوم بمقاطعة المتحدث وأقوم بإلقاء طن من النصائح وأخبره بما كنت سأفعل انا لو كنت في مكانه.. ولكن ولله الحمد يبدوا أن بعض التدريب للتعود على الصمت قد أثمر معي أخيراَ..
سألني هو عندما لم يجد تجاوب مني على اقتراحه إن كنت أوافقه على ذلك أم لا؟ ولكنني قررت بمفاجئته بسؤال مباغت (مالذي تريده الآن بالضبط)؟
شعر ببعض التلعثم وسألني بصوت حذر (مالذي تقصده بذلك)؟ أجبته بأنني أشعر بأنك قد اتخذت قراراً بالفعل ولا افهم بالضبط لماذا قمت بالإتصال بي لتخبرني بذلك..
مالذي يحدث معنا بالضبط؟
دعني أخبرك مالذي يحدث معك بالضبط ومالذي حدث مع ذلك المتداول قبل أن يقرر أن يتصل بي في تلك الليلة..
ما يحدث هو أننا نقوم بحساب الوقت الذي قررنا فيه مبدئيا أن نتداول في السوق.. لنفترض بأن ذلك كان عند الساعة السادسة مساءا.. ثم ننظر الى الساعة ونجد أنها قد اصبحت التاسعة مساءا (ثلاث ساعات) ونعتقد بشكل خاطئ بأننا قمنا بقضاء هذا الوقت الطويل في التداول ومراجعة حركة الأسعار والسوق..
ولكن هذه ليست الحقيقة كاملة.. ولا حتى نصف الحقيقة ايضاً..
نحن نبدأ بمشاهدة منصة التداول ونجد ربما نموذج فني محير بعض الشئ.. وبدلا من مراجعة معلوماتنا واتخاذ قرار بناءا على هذا النموذج نقوم بشكل غير واعي بعمل أشياء أخرى..
تابع معي هذا السيناريو وأخبرني إن كنت قد وقعت في هذا الفخ حديثاَ..
المتداول اكس شاهد نموذج فني واصيب بالحيرة بعض الشئ.. قرر الدخول الى قروب واتس اب او تويتر لسؤال بعض المضاربين عن صحة هذا النموذج..
شاهد على يمين الشاشة ترند جديد يتحدث عن مشاجرة وقعت في مدينة قريبة منه..
قام بقراءة التعليقات حول هذه المشاجرة ووجد روابط تتحدث عن الواقعة ورابط للفيديو في تطبيقات أخرى مثل السناب والتيك توك..
بعد ثلاث ساعات انتبه إلى أنه يقوم حاليا بمشاهدة أهداف مباريات اليوم على اليوتيوب!!
هذا المتداول لا يعلم بالضبط ماهي المواضيع والفيديوهات والرسائل التي قرأها خلال هذه الساعات الثلاث التي كانت مخصصة للتداول فقط..
ولكن بعد أن انتهى من كل ذلك لم يرجع لمراجعة ذلك النموذج الفني الذي رآه قبل ثلاث ساعات على الشارت ولكنه قرر بدلا من ذلك الإتصال بي ليخبرني أنه يشعر بالحيرة وبأن افضل قرار هو أن يتوقف عن التداول لبقية اليوم !!
دورة حياة التداول
مالذي يقوم به المتداول– وبشكل غير واعي – هو أنه يقوم بمحاربة الملل من متابعة شارتات ونماذج فنية وتطوير استيراتيجياته وأدواته التي يستخدمها إلى أمور أخرى اكثر سهولة – واكثر متعة – مثل فيديوهات ومقاطع التواصل الاجتماعي..
يهرب من متابعة ترندات صاعدة وهابطة على الشارت الى متابعة ترندات ومواضيع اليوم على السوشل ميديا..
نحن نحاول محاربة الملل بأية طريقة ممكنة ولكن الحل يقبع في الجانب الآخر تماما..
الحل الأكيد هو جلوسنا في منتصف الملل بالضبط وشعورنا بأن الأمور عادية بذلك وبأن هذا ضروري للتطور وتحسين تداولاتنا اليومية..
انا اعلم واتفق معك بأن محاولة ايجاد صفقات في السوق ومتابعتها وعشوائية حركة السعر ومسيرته ضد صفقاتنا الحالية أو توقعاتنا المستقبلية أمر ممل بالتأكيد..
والاكثر اصابة بالملل هو محاولتنا لحل هذه الأمور وفك هذه الشيفرات المعقدة وتجربة استيراتيجية بعد استيراتيجية ومراجعة نتائجها بإستمرار..
ولكن هذا الأمر ليس صحي فقط ولكنه ضروري وواجب ايضاً للنجاح في التداول.. وفي كل أمور الحياة بلا استثناء..
الجلوس بدون عمل أي شئ او التفكير في الطريقة التي نتداول بها بدون الإنشغال بأي أمر آخر أمر لا يستطيع الكثير من الناس عمله ولذلك قلة قليلة من المتداولين يقومون بتطوير استيراتيجياتهم بإستمرار بينما يبقى الكثير بدون التقدم خطوة واحدة إلى الأمام..
أعتقد بأن ما حدث مع ذلك المتداول عندما قام بالإتصال بي هو بسبب أنه قد استنفذ الكثير من وسائل قتل الملل عبر التواصل الإجتماعي ثم قرر فجأة تغيير ذلك بعمل اتصال تليفوني من باب التغيير فقط..
كل ذلك واكثر نقوم بعمله بدون وعي ثم نتسائل – بكل براءة – لماذا لا تتغير تداولاتنا للافضل؟
لا أعلم لماذا ولكنني سأدعك انت لتفكر بإجابة على ذلك..
قم رجاءاً بتخصيص ساعة كاملة للإجابة على هذا السؤال بدون أن تستخدم جوالك بعد خمس دقائق فقط لتصفح آخر صيحات وترندات السوشل ميديا..
وبالتأكيد بدون عمل اتصالات هاتفية معي.. أو مع أي متداول آخر..
حظاً موفقاً