التخصص في مهارة واحدة فقط هو السر

هناك نوعين دائما من المعرفة ، المعرفة العامة والمعرفة المتخصصة ، بالنسبة للمعرفة العامة فإنه مهما استطاع شخص ما من تحصيل معلومات عامة في كافة المجالات فإنها بالتأكيد ليست ضماناً لتحصيل الأموال والثراء. قد تضمن لك تحصيل معلومات عامة عن كل شئ الحصول على لقب “مثقف” ولكنها بالتأكيد ليست سبباً بحد ذاتها لتحصيل الثروات لأنها ليست بيئة جاذبة للمال ، ولكن إذا استطاع شخص ما تخصيص هذه المعرفة في مجال واحد فقط إلى اقصى حد واستطاع التخلص من كافة المشتتات الأخرى وقام بتطويرها وصقلها بشكل مناسب فإنها تصبح خطوة عملاقة لتحصيل المال والثراء.

الكثير يختصر مقولة “المعرفة قوة” ولكن المعرفة العامة لن تضيف الشئ الكثير لصاحبها سوى ثقافة عامة فقط ، في الكتاب الكلاسيكي الاكثر مبيعا على مستوى العام لمؤلفه نابليون هيل Think and Grow Rich ذكر أنه من ضمن الخطوات اللازمة لبناء الثروة التخصص في المعرفة Specialized Knowledge لما يمثله ذلك من أهمية لا يمكن إنكارها.

أما بالنظر اليوم إلى التوسع الهائل في مجال التكنولوجيا والطب والهندسة والعلوم وغيرها ، اصبح من المستحيل تماماً على شخص ما أن يكون بمقدوره حصر معرفة كاملة في حقل واحد فقط من المجالات أعلاه ، ناهيك عن التسارع الرهيب في الإختراعات والتقنيات الجديدة التي تجعل من المستحيل على شخص ما محاولة إتقان جميع هذه المعارف.

تطبيق ذلك على أسواق المال

لو قمنا بتطبيق ذلك على أسواق المال سنجد انه لا يوجد فارق يذكر ، ربما من اكبر الأخطاء التي يعتقد بها المحللون الفنييون حالياً انهم يعتقدون بأنهم متخصصين عندما يقومون بدراسة التحليل الفني لأنهم يعتقدون انه يوجد تخصصين اثنين فقط لتحليل اسواق المال وهما التحليل المالي والفني ، وهذا صحيح بالشكل العام ولكن التحليل الفني بشكل عام لا يمكن وضعه تحت خانة التخصص ، فهناك مدارس كثيرة ظهرت منذ بداية نشأة التحليل الفني مثل:

• التحليل الكلاسيكي
• السلوك السعري
• التحليل بالإعتماد على الأشكال والنماذج الفنية مثل النماذج الإستمرارية والنماذج الإنعكاسية
• المدرسة التوافقية (الهارمونك)
• موجات اليوت
• الاستيراتيجيات التي تعتمد على دمج مؤشرات ومتوسطات فنية

وغير ذلك من استيراتيجيات أخرى في أسواق المال ، لذلك افضل طريقة للتمكن من التخصص في التحليل الفني هي إعتماد المتداول على مدرسة واحدة فقط ودراستها بشكل متوسع ومستمر والتطبيق اليومي بشكل لا يقل عن ثلاث ساعات لمدة اربع او خمس سنوات ، عندها سيصبح هذا المتداول قادراً فعلاً على بناء استيراتيجية خاصة به ومعرفة اخطاؤها وتنقيحها وتصحيحها حتى تصبح ملائمة لتغيرات السوق الدائمة.

على النقيض من ذلك ، المتداول الذي لا يعرف حقاً أي مدرسة يتبع ويتنقل بين هذه وتلك لا يحقق اي تقدم ملحوظ في تداولاته اليومية او في تحصيله المعرفي ، ولذلك تجده ينتقل من اسلوب الى اسلوب آخر في فترة وجيزة ، يتأثر بشكل سريع بملاحظات المتداولين الآخرين ، يكون بطئ جداً في إتخاذ قرارات تحتاج إلى سرعة ويكون سريع جداً في تغيير قناعاته في الوقت الذي يحتاج منه للتفكير ببطئ وروية ، المتداول الذي يعمل على اسلوب واحد فقط – وبسبب كثرة التكرار والممارسة على نفس الطريقة – يكون قادراً على إتخاذ قرارات سريعة وحاسمة عندما تلوح له فرصة شرائية في الأفق ويفكر ببطئ وروية وبشكل منهجي عندما يستمع لآراء الآخرين ، أو بشكل افضل لا يتأثر نهائياً بقرارات وآراء متداولين آخرين ، وهذا ما يجعله من ضمن الفئة القليلة التي تعرف ما تريده من هذا السوق الضخم بشكل واضح.

أخيراً ، لعل من أهم العوامل التي تفيد المتداول المتخصص هي إمكانية تقييمه لعمله بشكل يسر بسبب تخصصه ، قادر على كشف الأخطاء التي حدثت في صفقات سابقة بعد إغلاقها ، قادر على تطوير استيراتيجية والعمل عليها بدون تشويش أي مبرر بسبب كثرة الأدوات التي يستخدمها ، شاهدت سابقاً بعض المتداولين يقومون بدمج التحليل الكلاسيكي مع ثلاث او اربع مؤشرات فنية ويضعون شروطاً صعبة عليهم لا بد من ان تكتمل حتى يقوم بفتح صفقة ما ، وعادة ما يقوم مراراً وتكراراً بكسر قواعده الخاصة ومخالفة استيراتيجيته بسبب عدم وضوحها وصعوبة تطبيقها على أرض الواقع.

حاول فقط من تعلم مهارة واحدة فقط ، إعمل عليها طوال اليوم لمدة سبعة ايام في الاسبوع ، قم بتصحيح اخطاؤها وتنقيحها وتحسينها بشكل يناسب شخصيتك الاستثمارية او المضاربية في السوق لعدة سنوات وبعدها ستلاحظ الإختلاف الواضح في أدائك وزيادة الثقة في آرائك حول حركة السوق المستقبلية. وبالتالي حول نتائجك المالية وتحسنك المستمر في مضارباتك في اسواق المال.