لا يستطيع أي باحث في الوقت الحالي حصر العدد اللانهائي من الاستيراتيجيات المستخدمة للمحللين الفنيين في السوق ، ولكن لو سألتني عن رأيي الشخصي في اصعب استيراتيجية يمكن ان يتبناها أي محلل فني للمضاربة بأسواق المال فسأجيب بلا تردد انها استيراتيجية متابعة الترند (المعروفة باللغة الانجليزية بإسم Trend Following) ، ولهذا السبب بالذات لم يشعر المضارب المرموق ريتشارد دينيس وشريكه ايكهارت بالقلق عندما قام طلابه في التجربة المشهورة بإسم تجربة السلاحف بنشر استيراتيجيتهم الخاصة بالتداول ، حتى أنه عندما قام احد الصحفيين من صحيفة وول ستريت بسؤاله عن ذلك اجاب بأنه “لا يشعر بالقلق ابداً من قيام طلابه بنشر استيراتيجيته لأن السر لا يكمن بالاستيراتيجية نفسها ، بل بصعوبة تبنيها من قبل مضاربين آخرين”. وقد كان مصيباً جداً في تخمينه هذا.
منذ سنتين تقريباً وانا اعمل بإستخدام هذه الاستيراتيجية واصبحت شبه واثق بأنني لو قمت بالتنقل بين عدد من الاستيراتيجيات المختلفة خلال السنوات القادمة فإنني لن اواجه نفس الصعوبات التي واجهتها سابقاً عندما قمت بإستخدام هذه الاستيراتيجية ، قبل أن اشرح الاسباب لذلك دعني اشرح لك أولاً مالمقصود بمتابعة الترند ثم نتحدث عن سبب صعوبة تبني هذه الاستيراتيجية.
متابعة وملاحقة الترند:
كما هو واضح من الاسم ، المقصود بهذا المعنى هو أن المضارب الفني سيقوم بالإستمرار بإبقاء صفقاته مفتوحة (وربما بإضافة صفقات جديدة) مادام ان اتجاه السعر لم يتغير بعد ، يمكن تشبيه ذلك لتصبح الفكرة اسهل بالنسبة لك هي تشبيه صفقتك المفتوحة بمتوسط حسابي موفنق افريج ، الموفنج افريج يتبع السعر اينما ذهب ولا يقوم بعكس اتجاهه الا بعد ان يعكس السعر نفسه اتجاهه ، لنفترض انك قمت بشراء سهم او عملة معينة (اسباب الدخول نشرحها لاحقاً) عند سعر 150.00 ريال او 150.00 دولار على سبيل المثال ، المفترض من المضارب الآن ان يستمر في صفقته الشرائية وعدم إغلاقها حتى لو وصل السعر الى القمر (كما يقولون هم). وعلى العكس من ذلك ، لو انك قمت بالبيع عند سعر 150.00 ريال او 150.00 دولار فإنك ستستمر في صفقتك البيعية وعدم اغلاقها حتى لو ضرب السعر الارض (ايضاً كما يقومون بتسميتها مستخدموا هذه الاستيراتيجية).
هذا الاسلوب الذي تحدثنا عنه في الفقرة السابقة يشكل الحجر الاساس لمدرسة التحليل الفني عندما بدأت ، لو قمت بقراءة أي من كتب ادوارد وباتريك ومورفي وبرنق وراشكي وغيرهم ستجد انهم يتحدثون عن نفس الفكرة التي يعتمد عليها التحليل الفني ، وهي ” أن تقوم انت كمحلل فني بالانتباه الى بداية اتجاه سعري جديد (صاعد او هابط) وتقوم بركوب هذا الاتجاه حتى يعكس السعر اتجاهه “. لذلك يمكنك الآن وقبل ان نشرح ببعض الشارتات بالاسفل التخمين بأن اصعب ما يواجه مستخدمي هذه الاستيراتيجية هي نقطة الخروج من الصفقة ، وليس نقطة الدخول.
انظر الى الشارت أدناه واخبرني عن الاتجاه العام للسعر ( صاعد ، هابط ، جانبي ) (بإمكانك الضغط على الصورة لتكبيرها)
اعتقد بأن اجابتك كانت بأن الاتجاه صاعد ، والآن لنفترض انك قمت بناءاً على تحليلك الفني للسعر ووجدت ان الاتجاه العام قد يكون صاعداً ( طبعاً قبل ظهور الحدث ) ، كيف كنت ستتمكن من البقاء في صفقة رابحة مع وجود كل هذه التصحيحات السعرية المشار اليها أدناه بالاسهم الحمراء.
هذا بالضبط ما اقصده عندما اخبرتك بأن هذه الاستيراتيجية ( الرائعة ) تعتبر الاصعب على الإطلاق ، وهو كيف باستطاعة المضارب ان يبقي اعصابه هادئة ويثق في نفسه مع وجود كل هذه التحركات السعرية التي تسير عكس اتجاه صفقته والمشار اليها اعلاه باللون الاحمر ، هل يستطيع المتداول الصبر على صفقة وهو يراها تتحرك عكس اتجاهه الذي يرغب به بعد ان كانت قد حققت ارباحاً جيدة ، تحدثت في مقال سابق عن فكرة السعر أنه لا يسير في طريق مستقيم ، في النقاط أدناه نشرح صعوبات هذه الاستيراتيجية ولماذا يتم التخلي عنها بسرعة بواسطة المضاربين الذي يقومون بتبنيها لفترة قصيرة من الوقت.
الصعوبات المرافقة لاستيراتيجية ملاحقة ومتابعة الترند (Trend Following):
1- الأسعار لا تسير في اتجاهات مستقيمة: هذا مايجب عليك كمحلل فني توقعه في كل مرة تقوم فيها بتفعيل صفقة جديدة ، عندما تقوم بتحليل سهم او عملة وتجد أن المستوى المستهدف قد يصل الى ثلاثة ريالات او 400 نقطة ، فمن البديهي جداً لك أن تقوم بتوقع أن السعر لن يحقق الهدف في شمعة واحدة ، وهذا يجعل الأمر في غاية الصعوبة للمضاربين عندما يشاهدون ان السعر قد بدأ في تصحيح او مسيرة جانبية ويخشى عندها المضارب ان يقوم السعر بالعودة لنقطة الدخول او ضرب وقف الخسارة ، مما يمنعه مبكراً من ركوب الترند..
2- هذه الاستيراتيجية تسير عكس برنامجنا العقلي الداخلي: المقولة القديمة ” عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة ” مستخدم بشدة في المضاربات اليومية بأسواق المال ، تحدثت مع عدة مضاربين واخبروني صراحة بأنهم لم يقوموا في يوم من الأيام بإنتظار السعر حتى يصل للهدف ، بل على العكس من ذلك يقومون هم بإغلاق الصفقة عندما تحقق ربح قليل خوفاً من انعكاس السعر وضياع هذا الربح المؤقت ، وهذا يعتبر البرنامج العقلي الداخلي الرئيسي فينا ، وهو ربح قليل خير من خسارة محتملة ، وهذا أمر آخر يجعل تبني هذه الاستيراتيجية في غاية الصعوبة.
3- لا يمكن لأي شخص معرفة متى سيبدأ الترند ، ومتى سينتهي: لا احد يستطيع مهما بلغت احترافيته في التحليل الفني والمالي ان يستطيع تحديد بداية ترند جديد او مكان ومدة انتهائه ، لذلك من المتوقع جداً ان تدخل في صفقات كثيرة اعتقاداً منك بأن إحداها ستكون بداية اتجاه جديد ، وبالتالي فمن الممكن جداً لصفقة واحدة ناجحة يستمر معها المضارب حتى النهاية ان تقوم بإلغاء اربع او خمس صفقات خاسرة سابقة بسبب عدد النقاط المكتسبة. ولكن هذا الأمر يعتبر صعب على المتداول عندما يقوم بالدخول في اربع او خمس صفقات متتالية خاسرة ، هذا بإمكانه هز الثقة عند أي متداول وبالتالي رفضه للاستمرار بهذا الاسلوب والبحث عن طريقة اخرى للتداول. (الرسم أدناه يوضح الطريقة التي يستعرض بها بعض (المحللين) وليس (المضاربين) من اكتشافاتهم الوهمية للقمم والقيعان..
4- نقطة الخروج من الصفقة مرنة وليست ثابته: يعاني الكثير من مستخدموا هذه الاستيراتيجية صعوبة بالغة في تحديد افضل النقاط للخروج من الصفقة بسبب أن الاستيراتيجية تعتمد على ملاحقة ومتابعة الترند وعدم الخروج المبكر من الصفقة ، لذلك تجد بعضهم يعتمد على اختراق السعر لموفنق افريج ، او كسر واختراق قمم وقيعان سابقة ، او ظهور زخم مفاجئ عكس اتجاه الصفقة الحالية ، وغيرها ، ولكن بسبب تعدد مستويات الخروج وعدم القدرة على تحديد ايهم الافضل يجد الكثيرون ممن يحاولون البقاء مع الترند لاطول فترة ممكنة صعوبة بالغة في تحديد نقطة خروج صحيحة.
5- احتمال عودة السعر لنقطة الصفر: لأن كل شئ يمكن ان يحدث في السوق ، من الممكن ان تشاهد السعر يقوم بالإنعكاس وتناقص الربح العائم وايضاً إمكانية عودة السعر لنقطة الصفر (الدخول) قبل الوصول للمستوى المستهدف ، هذا السبب بحد ذاته قد يدفع المتداول للجنون وربما لرفض هذه الاستيراتيجية من اساسها بعد صفقة واحدة او اثنتين من هذا النوع ، لا يوجد شعور اصعب على المتداول من ان يقوم بالشراء من نقطة ممتازة ويرتفع السعر ثم يرى بعينيه كيف عاد السعر لنقطة الدخول بعد ان سار السعر لمسافة جيدة في الاتجاه المتوقع مسبقاً.
في هذا المقال حاولت تلخيص اكثر الصعوبات التي تواجه المتداول الذي يتبنى فكرة متابعة وملاحقة الترند ، قد يبدوا للوهلة الأولى أن سلبيات هذه الاستيراتيجية اكثر بكثير من ايجابياتها ، ولكن من وجهة نظري المتواضعة تبقى هذه الطريقة الافضل والاكثر فعالية لتنمية رأس المال ، في المقال القادم إن شاء الله اتحدث عن ايجابياتها وكيفية حماية الارباح وتحديد النقاط بشكل اكثر دقة.
يعطيك العافية استاذ فيصل . بس ممكن تعطينا شارت حقيقي لاخر شارت يدوي عملته كيف اخترق السعر مستوى مقاومة ومن ثم رجع لنقطة الصفر ولنقطة وقف الخسارة. وشكرا لك
أحسنت الشرح، يوجد إبداع في أفكارك، وكذلك الموضوع هذا مهم لذلك تمت تسمية الموقع بهذا الاسم 👌🏼
جميل جدا هذا الشرح
شكرا لك ، سعيد بأن المقال اعجبك