نحن نعلم بأن التحليل الفني عبارة عن طريقة فنية لتحليل حركة السعر في الوقت الحالي للتكهن بحركته المستقبلية القادمة والإستفادة منها.. ونعلم أيضاً بأن التحليل الفني عبارة عن فن وليس علم قائم بحد ذاته وبأن حركة الأسعار لا يحكمها بشكل أو بآخر تكهنات وتنبؤات ( الخبراء ) الذين يقومون بتأكيد ما سيحدث وإلى أي مستوى ستتحرك الأسعار صعوداً وهبوطاً في المستقبل.
ومع كل هذا القصور في التحليل الفني ( ويقابله ايضاً قصور في التحليل المالي ولكنه ليس موضوع هذا المقال ) نقوم بأنفسنا بفهم بعض المبادئ الخاصة بالتحليل الفني بشكل خاطئ مما يزيد من نسبة قصورنا وفهمنا لحركة وديناميكية الأسعار والعرض والطلب.. وهذا يؤدي بشكل مباشر إلى تصعيب مهمتنا في محاولة الإستفادة من تحليلاتنا المستمرة لحركة السعر.
في هذا المقال سنتحدث عن واحدة من أهم المبادئ التي يرتكز عليها التحليل الفني ونقوم بمناقشة المخاطر الكامنة في عدم فهمنا الكامل لهذا المبدأ.. و هو:
التاريخ يعيد نفسه
مبدأ مهم وركيزة أساسية في التحليل الفني هو إفتراضنا بأن ما حدث في الماضي سيتكرر في المستقبل.. وهذا يشمل بالطبع تحركات السعر عند ظهور إِشارات معينه في الماضي ونفترض بأن السعر سيتحرك بشكل مشابه لذلك في المستقبل.
بإختصار.. بدون هذا المبدأ لا يوجد تحليل فني.. مالفائدة من دراستنا لمئات النماذج على الشارتات ومحاولة فهم هذه النماذج إذا كنا نتوقع بأن التاريخ لن يعيد نفسه ويتحرك السعر بشكل مشابه لتلك النماذج التي درسناها في الماضي والإستفادة منها لتحقيق أرباح.. ولكن.. وهنا تكمن المشكلة التي تسبب خسائر عديدة للمتداولين.. وهي ترديد عبارة التاريخ يعيد نفسه بدون أن يضيف إليها كلمة مهمة جداً وهي أحياناً.
عندما تقوم بإضافة هذه الكلمة لتصبح العبارة بهذا الشكل ( التاريخ يعيد نفسه أحياناً ) ستتمكن من فهم هذا المبدأ بشكل افضل.. فكرة هذا المبدأ تستند على أن الأحداث والوقائع تعيد نفسها في أزمنة مختلفة بسبب أنها نابعة من نفس العواطف والمشاعر البشرية التي كانت سبباً لهذه الأفعال في المقام الأول.. وإلى حد ما يعتبر هذا الكلام صحيح بل ومنطقي ايضاً.. ولكن عند التداول يعتبر التسليم الكامل لهذه الفكرة خطرة للغاية على محافظنا الإستثمارية.
ولأن الصورة خير من ألف كلمة.. دعنا نتوقف قليلاً عند الأشكال المشروحة أدناه لفهم هذه الفكرة بشكل مباشر..
الصورة رقم 1 نرى السعر يسير داخل قناة أفقية ثم حدوث كسر لمستوى الدعم.. الفكرة الأولية لهذا الكسر هي استمرار المسار الهابط ولكن عند النقطة رقم 2 نرى السعر قام بإختراق الجهة الأخرى وهي مستوى المقاومة للقناة الأفقية وهذا أعطانا فكرة مناسبة لكسر كاذب (سبرنق) ونقطة دخول نموذجية شراء عند النقطة رقم 2.
الصورة رقم 2 نرى السعر يسير داخل قناة أفقية ثم حدوث كسر لمستوى الدعم.. الفكرة الأولية لهذا الكسر هي استمرار المسار الهابط ولكن عند النقطة رقم 2 نرى السعر قام بإختراق الجهة الأخرى وهي مستوى المقاومة للقناة الأفقية وهذا أعطانا فكرة مناسبة لكسر كاذب (سبرنق) ونقطة دخول نموذجية شراء عند النقطة رقم 2.. ولكن وبعد تفعيل صفقة الشراء نلاحظ أن السعر قام مرة أخرى بالهبوط للأسفل لتكون صفقة الشراء عند النقطة رقم 2 صفقة خاسرة.
قبل أن نخوض بتفصيل ما حدث أعلم ماهو السؤال الذي يجول بخاطرك الآن.. ربما ستسأل كيف كان يمكننا التنبؤ بأن الإختراق الذي حدث في الصورة رقم 2 كان اختراقاً كاذباً لنتفادى خسارة الصفقة؟ وبما أنك سألت هذا السؤال دعني أجيب على سؤالك بسؤال آخر..
مالذي يمنع أن يكون الاختراق في الصورة رقم 1 اختراقاً حقيقياً وفي الصورة رقم 2 اختراقاً كاذباً؟ بالضبط.. وهذا هو محور هذا المقال.. قد تتشابه الإشارات الفنية لحد كبير ولكن النتائج قد تكون مختلفة بشكل كامل.. وهذا بسبب العروض والطلبات من المتداولين في وقت حدوث هذه التحركات السعرية.. ولذلك يجب أن نحذر من فكرة التاريخ يعيد نفسه ونكون على دراية بأن فكرة استخدام نفس الإِشارات الفنية لا يعني بالتأكيد التنبؤ بحركة السعر القادمة ولكن تغليب احتمالات فقط.
الخاتمة:
التحليل الفني أداة رائعة وسلسة جداً لتحليل الأسواق المالية والإستفادة منها في تحقيق أرباح مجزية ولكن لا يمكن لأي نوع من أنواع التحليل أن يربح بإستمرار.. الإختلاف في النتائج بالرغم من تشابه الإشارات الفنية يعتبر هو الأمر الطبيعي والمنطقي.. تخيل معي للحظة لو أن كل مستويات الدعم يحدث عندها إرتداد للأعلى وكل مستويات المقاومة يحدث عندها تصحيح للسعر.. بالرغم من أن هذا المثال يعتبر خيالي جداً وغير فعال إلا أننا نتوقع أحياناً – ونقوم بتأكيد – حركة السعر القادمة بسبب إشارة فنية أو نموذج ونتجاهل أن كل لحظة في السوق مرتبطة بأوامر شراء وبيع فريدة من نوعها وحجمها وتأثيرها عن أية لحظة أخرى في السوق في السابق.
وهذا ما يقودنا إلى أن الإيمان اكثر بأن التاريخ يعيد نفسه ( أحياناً ) هو الخطوة السليمة للتداول بفعالية وبمرونة مع نتائج هذه الصفقات وأياً كان ما ستؤول اليه حركة السعر في المستقبل.
كنت اعتقد في السابق انه التاريخ يعيد نفسه من خلال سمعي للناس وبعد قراءه السريعه اعتقد انه وجه نظري تغيرت فعلا
سعيد أنك لاحظت هذا الإختلاف اخوي جواد
مقالة مهمة ومميزة استاذ فيصل , بارك الله فيك وبارك في علمك ومجهودك الرائع